وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: «ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ، فَأَصَابَ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْإِجْزَاءَ، كَمَا لَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ بِمُعَالَجَةِ الذَّبْحِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِعَيْنِهَا. فَأَمَّا إنْ تَعَيَّبَتْ بِفِعْلِهِ، فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا عَالَجَ ذَبْحَهَا، فَقَلَعَتْ السِّكِّينُ عَيْنَهَا، أَجْزَأَتْ، اسْتِحْسَانًا. وَلَنَا، أَنَّهُ عَيْبٌ أَحْدَثَهُ بِهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا، فَلَمْ تُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ مُعَالَجَةِ الذَّبْحِ.
[فَصْل نَذَرَ أُضْحِيَّة فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي شَاةٍ]
(٧٨٦٧) فَصْلٌ: وَإِنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي شَاةٍ، تَعَيَّنَتْ، فَإِنْ عَابَتْ تِلْكَ الشَّاةُ قَبْلَ ذَبْحِهَا، لَمْ تُجْزِئْ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِذَبْحِ شَاةٍ سَلِيمَةٍ، كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ، فَاشْتَرَاهَا، ثُمَّ عَابَتْ عِنْدَهُ، لَمْ تُجْزِئْهُ، وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الْعَبْدِ فَعَابَ، أَجْزَأَ عَنْهُ.
[فَصْل أَتْلَفَ الْأُضْحِيَّة الْوَاجِبَةَ]
(٧٨٦٨) فَصْلٌ: إذَا أَتْلَفَ الْأُضْحِيَّةَ الْوَاجِبَةَ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ أَتْلَفَهَا، فَإِنْ غَلَتْ الْغَنَمُ، فَصَارَ مِثْلُهَا خَيْرًا مِنْ قِيمَتِهَا، فَقَالَ: أَبُو الْخَطَّابِ: يَلْزَمُهُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي ذَبْحِهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَتَعَيَّبْ، بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقِيمَةُ يَوْمَ إتْلَافِهَا.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ، فَلَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَكَسَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ. فَإِنْ رَخُصَتْ الْغَنَمُ، فَزَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى مِثْلِهَا، مِثْلَ أَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا عِنْدَ إتْلَافِهَا عَشَرَةً، فَصَارَتْ قِيمَةُ مِثْلِهَا خَمْسَةً، فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ، وَجْهًا وَاحِدًا، فَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا أُضْحِيَّةً وَاحِدَةً تُسَاوِي عَشَرَةً، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْعَشَرَةِ مَا لَا يَجِيءُ بِهِ أُضْحِيَّةٌ، اشْتَرَى بِهِ شِرْكًا فِي بَدَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لِذَلِكَ، أَوْ لَمْ تُمْكِنْهُ الْمُشَارَكَةُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَشْتَرِي لَحْمًا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَتَفْرِقَةَ اللَّحْمِ مَقْصُودَانِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ.
وَالثَّانِي، يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ التَّقَرُّبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، كَانَ اللَّحْمُ وَثَمَنُهُ سَوَاءً. فَإِنْ كَانَ الْمُتْلِفُ أَجْنَبِيًّا، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ أَتَلَفَهَا، وَجْهًا وَاحِدًا، وَيَلْزَمُهُ دَفْعُهَا إلَى صَاحِبِهَا، فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْقِيمَةُ ثَمَنَ أُضْحِيَّةٍ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى فِيمَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُضَحِّي. فَإِنْ تَلِفَتْ الْأُضْحِيَّةُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، أَوْ سُرِقَتْ، أَوْ ضَلَّتْ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ كَالْوَدِيعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute