وَلَنَا، مَا رَوَى عَطَاءٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَفَضْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ، وَلَا حَرَجَ. وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلِ شَيْءٍ، فَلَا حَرَجَ» . رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. فِي (سُنَنِهِ) .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ آخَرُ، فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِأَنَّهُ أَتَى بِالرَّمْيِ فِي وَقْتِهِ. فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ رَتَّبَ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْحَابِنَا، أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالْإِفَاضَةِ قَبْلَ الرَّمْيِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، كَمَنْ رَمَى وَلَمْ يُفِضْ. فَعَلَى هَذَا لَوْ وَاقَعَ أَهْلَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَرْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِتَرْكِ الرَّمْيِ، وَحَجُّهُ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ نَسِيَ، أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ، فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَنْ نَسِيَ مِنْ النُّسُكِ شَيْئًا، حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا.
[مَسْأَلَةٌ السُّنَّةُ لِمَنْ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى]
(٢٥٦٦) مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى، وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى) السُّنَّةُ لِمَنْ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى وَاجِبٌ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَة مِنْ مِنًى لَيْلًا. وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِيَةُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ فَبِتْ حَيْثُ شِئْت. وَلِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مِنْ حَجِّهِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، كَلَيْلَةِ الْحَصْبَةِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتَخْصِيصُ الْعَبَّاسِ بِالرُّخْصَةِ لِعُذْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ لِغَيْرِهِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمْ يُرَخِّصْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَحَدٍ يَبِيتُ بِمَكَّةَ، إلَّا لِلْعَبَّاسِ، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ «ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ إلَّا بِمِنًى. وَكَانَ يَبْعَثُ رِجَالًا يَدَعُونَ أَحَدًا يَبِيتُ وَرَاءَ الْعَقَبَةِ.» وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ نُسُكًا، وَقَدْ قَالَ: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute