للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِ الْغَاصِبِ، فَلَمْ يَمْلِكْ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَخْذَهُ، كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثَاثًا أَوْ حَيَوَانًا. وَإِنْ طَلَبَ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ، وَأَبِي مَالِكُهُ إلَّا الْقَلْعَ، فَلَهُ الْقَلْعُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَمَلَكَ نَقْلَهُ. وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا.

وَإِنْ اتَّفَقَ عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهُ بِالْقِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَجَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. وَإِنْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، لِيَتَخَلَّصَ مِنْ قَلْعِهِ، وَقَبِلَهُ الْمَالِكُ، جَازَ. وَإِنْ أَبَى قَبُولَهُ، وَكَانَ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ احْتَمَلَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ رَفْعَ الْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ يَفُوتُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إجْبَارًا عَلَى عَقْدٍ يُعْتَبَرُ الرِّضَى فِيهِ.

وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَغَرَسَهُ فِيهَا فَالْكُلُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. فَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِقَلْعِهِ، وَفِي قَلْعِهِ غَرَضٌ، أُجْبِرَ عَلَى قَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ غَرَضًا مَقْصُودًا بِالْأَرْضِ، فَأُخِذَ بِإِعَادَتِهَا إلَى مَا كَانَتْ، وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَنَقْصِهَا، وَنَقْصِ الْغِرَاسِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى السَّفَهِ.

وَقِيلَ: يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ مُحَكَّمٌ فِي مِلْكِهِ، وَالْغَاصِبُ غَيْرُ مُحَكَّمٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَهُ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكُ لَمْ يَمْلِكْ قَلْعَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَلَمْ يَمْلِكْ غَيْرُهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.

[فَصْلٌ حُكْمُ الْبِنَاء فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَة]

(٣٩٣٦) فَصْلٌ: وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا بَنَى فِي الْأَرْضِ، كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا غَرَسَ فِيهَا فِي هَذَا التَّفْصِيلِ جَمِيعِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ أَنَّهُ إذَا بَذَلَ مَالِكُ الْأَرْضِ الْقِيمَةَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهَا، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّقْضِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ سَفَهٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَنَى فِي رِبَاعِ قَوْمٍ بِإِذْنِهِمْ فَلَهُ الْقِيمَةُ، وَمَنْ بَنَى بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَهُ النَّقْضُ» . وَلِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا. وَإِذَا كَانَتْ الْآلَةُ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ وَأَحْجَارِهَا، فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ النَّقْضُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْغَرْسِ.

[فَصْلٌ غَصَبَ دَارًا فَجَصَّصَهَا وَزَوَّقَهَا وَطَالَبَهُ رَبُّهَا بِإِزَالَتِهِ]

(٣٩٣٧) فَصْلٌ: وَإِنْ غَصَبَ دَارًا، فَجَصَّصَهَا وَزَوَّقَهَا وَطَالَبَهُ رَبُّهَا بِإِزَالَتِهِ، وَفِي إزَالَتِهِ غَرَضٌ، لَزِمَهُ إزَالَتُهُ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَضٌ، فَوَهَبَهُ الْغَاصِبُ لِمَالِكِهَا، أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صِفَةٌ فِي الدَّارِ، فَأَشْبَهَ قَصَارَةَ الثَّوْبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانُ مُتَمَيِّزَةٌ، فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْقُمَاشِ.

وَإِنْ طَلَبَ الْغَاصِبُ قَلْعَهُ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكُ، وَكَانَ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْكَشْطِ، فَلِلْغَاصِبِ قَلْعُهُ، كَمَا يَمْلِكُ قَلْعَ غِرَاسِهِ، سَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ، أَوْ لَمْ يَبْذُلْ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>