[فَصْلٌ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَى شَهْرٍ]
(٥٧٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ. أَوْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَى شَهْرٍ، فَقَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. صَحَّ ذَلِكَ، وَاسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ، طَلُقَتْ وَلَا شَيْءَ لَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ رَأْسِ الشَّهْرِ، فَقَدْ اخْتَارَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَى شَهْرٍ، فَطَلَّقَهَا بِأَلْفٍ، بَانَتْ، وَعَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا سَلَفٌ فِي طَلَاقٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ فِيهِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا جَعَلَتْ لَهُ عِوَضًا صَحِيحًا عَلَى طَلَاقِهَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا اسْتَحَقَّهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ: إلَى شَهْرٍ، وَلِأَنَّهَا جَعَلَتْ لَهُ عِوَضًا صَحِيحًا عَلَى طَلَاقِهَا، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْهُ، كَالْأَصْلِ. وَإِنْ قَالَتْ: لَك أَلْفٌ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي أَيَّ وَقْتٍ شِئْت، مِنْ الْآنَ إلَى شَهْرٍ. صَحَّ فِي قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الطَّلَاقِ مَجْهُولٌ فَإِذَا طَلَّقَهَا فَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ، لِفَسَادِهِ. وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ، فَصَحَّ بَذْلُ الْعِوَضِ فِيهِ مَجْهُولَ الْوَقْتِ كَالْجَعَالَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ. صَحَّ، وَزَمَنُهُ مَجْهُولٌ أَكْثَرُ مِنْ الْجَهَالَةِ هَا هُنَا، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ هَا هُنَا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، وَثَمَّ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ. وَقَوْلُ الْقَاضِي: لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَفْسُدُ فِيهَا الْعِوَضُ، أَنَّ لَهُ الْمُسَمَّى. فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَا هُنَا إنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ]
(٥٧٩٠) فَصْلٌ: إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ. وَقَعَتْ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَلَا شَرْطًا فِيهَا، وَإِنَّمَا عَطَفَ ذَلِكَ عَلَى طَلَاقِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْك الْحَجُّ فَإِنْ أَعَطَتْهُ الْمَرْأَةُ عَنْ ذَلِكَ عِوَضًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَابِلْهُ شَيْءٌ، وَكَانَ ذَلِكَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً، يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ. وَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: ضَمِنْت لَك أَلْفًا. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ غَيْرِ الضَّامِنِ لِحَقٍّ وَاجِبٍ، أَوْ مَآلُهُ إلَى الْوُجُوبِ، وَلَيْسَ هَا هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ مَا لَمْ يَجِبْ يَصِحُّ، وَلَمْ أَعْرِفْ لِذَلِكَ وَجْهًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ قَبْلَ طَلَاقِهَا: ضَمِنْت لَك أَلْفًا، عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي. فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْك أَلْفٌ. فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَلْفَ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي طَلْقَةً بِأَلْفٍ. فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْك أَلْفٌ. وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَعَلَيْهَا أَلْفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ. يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْخُلْعِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ، وَمَا وُصِلَ بِهِ تَأْكِيدٌ.
فَإِنْ اخْتَلَفَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute