[فَصْلٌ كَانَ لَهُ أَبٌ مِنْ أَهْلِ الْإِنْفَاقِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى سِوَاهُ]
(٦٤٩٢) فَصْلٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ مِنْ أَهْلِ الْإِنْفَاقِ، لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى سِوَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] . وَقَالَ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] . «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ.» فَجَعَلَ النَّفَقَةَ عَلَى أَبِيهِمْ دُونَهَا. وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا نَعْلَمُهُ، إلَّا أَنَّ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ لِلْفَقِيرِ أَبٌ وَابْنٌ مُوسِرَانِ، وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَب وَحْدَهُ. وَالثَّانِي، عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُرْب. وَلَنَا، أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، فَيَجِبُ اتِّبَاعُ النَّصِّ، وَتَرْكُ مَا عَدَاهُ.
[فَصْلٌ يَلْزَمُ الرَّجُلَ إعْفَافُ أَبِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ]
(٦٤٩٣) فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ الرَّجُلَ إعْفَافُ أَبِيهِ، إذَا احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَلَهُمْ فِي إعْفَافِ الْأَبِ الصَّحِيحِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ إعْفَافُ أَبِيهِ، سَوَاءٌ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ أَوْ لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَاذِ، فَلَمْ تَجِبْ لِلْأَبِ، كَالْحَلْوَاءِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ ذَلِكَ كَالْأُمِّ. وَلَنَا، أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ، وَيَسْتَضِرُّ بِفَقْدِهِ، فَلَزِمَ ابْنَهُ لَهُ، كَالنَّفَقَةِ، وَلَا يُشْبِهُ الْحَلْوَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَضِرُّ بِفَقْدِهَا، وَإِنَّمَا يُشْبِهُ الطَّعَامَ وَالْأُدْمَ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنْ إعْفَافَهَا إنَّمَا هُوَ تَزْوِيجُهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَخَطَبَهَا كُفْؤُهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يُوَافِقُونَنَا فِي ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ إعْفَافُ مَنْ لَزِمَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ جَدَّانِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إلَّا إعْفَافُ أَحَدِهِمَا، قُدِّمَ الْأَقْرَبُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، فَيُقَدَّمُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَإِنْ بَعُدَ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَالشَّرْعُ قَدْ اعْتَبَرَ جِهَتَهُ فِي التَّوْرِيثِ وَالتَّعْصِيبِ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِنْفَاقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ. (٦٤٩٤)
فَصْلٌ: وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ إعْفَافُ أَبِيهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ زَوَّجَهُ حُرَّةً، وَإِنْ شَاءَ مَلَّكَهُ أَمَةً، أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً أَوْ يَشْتَرِي بِهِ أَمَةً، وَلَيْسَ لِلْأَبِ التَّخْيِيرُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ الْأَبَ إذَا عَيَّنَ امْرَأَةً، وَعَيَّنَ الِابْنُ أُخْرَى، وَصَدَاقُهُمَا وَاحِدٌ، قُدِّمَ تَعْيِينُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَهُ، وَالْمُؤْنَةَ وَاحِدَةٌ، فَقُدِّمَ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عَيَّنَتْ الْبِنْتُ كُفُؤًا، وَعَيَّنَ الْأَبُ كُفُؤًا، قُدِّمَ تَعْيِينُهَا. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصَّدَاقِ لَمْ يَلْزَمْ الِابْنَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يُمَلِّكَهُ قَبِيحَةً أَوْ كَبِيرَةً لَا اسْتِمْتَاعَ فِيهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute