للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنِّي نَذَرْت أَنَّ أَنْحَرَ نَفْسِي. قَالَ: فَتَجَهَّمَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَفَّفَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ: أَهْدِ مِائَةَ بَدَنَةٍ. ثُمَّ أَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ نَذَرْت أَنْ لَا تُكَلِّمَ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ؟ إنَّمَا هَذِهِ خُطْوَةٌ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، اسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَتُبْ إلَيْهِ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَصَابَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ. وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا، أَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، حُكْمُهُ حُكْمُ نَذْرِ سَائِرِ الْمَعَاصِي لَا غَيْرُ.

[فَصْلٌ امْرَأَةٍ نَذَرَتْ نَحْرَ وَلَدِهَا وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ]

(٧٩٨٤) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ نَحْرَ وَلَدِهَا، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ: تَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ كَبْشًا، وَتُكَفِّرُ يَمِينَهَا. وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ كَفَّارَةَ نَذْرِ ذَبْحِ الْوَلَدِ ذَبْحُ كَبْشٍ. جَعَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ كَبْشًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ إذَا أُضِيفَ اقْتَضَى التَّعْمِيمَ، فَكَانَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ كَبْشٌ. فَإِنْ عَنَتْ بِنَذْرِهَا وَاحِدًا فَإِنَّمَا عَلَيْهَا كَبْشٌ وَاحِدٌ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ الْوَاحِدِ، فُدِيَ بِكَبْشٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَفْدِ غَيْرَ مَنْ أُمِرَ بِذَبْحِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَكَذَا هَاهُنَا، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ لَمَّا نَذَرَ ذَبْحَ ابْنٍ مِنْ بَنِيهِ إنْ بَلَغُوا عَشَرَةً، لَمْ يَفْدِ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدًا.

وَسَوَاءٌ نَذَرَتْهُ مُعَيَّنًا، أَوْ عَنَتْ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ: وَتُكَفِّرُ يَمِينَهَا. فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ ذَبْحَ الْكِبَاشِ كَفَّارَةُ يَمِينِهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نَذْرِهَا يَمِينٌ. وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، تُجْزِئُهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ، عَلَى مَا سَبَقَ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِعِتْقِ مَا يَمْلِكُ فَحَنِثَ]

(٧٩٨٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ مَا يَمْلِكُ، فَحَنِثَ، عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يَمْلِكُ مِنْ عَبِيدِهِ، وَإِمَائِهِ، وَمُكَاتَبِيهِ، وَمُدَبَّرِيهِ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، وَشِقْصٍ يَمْلِكُهُ مِنْ مَمْلُوكِهِ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا، فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ فَكُلٌّ مَا أَمْلِكُ حُرٌّ. فَإِنَّ هَذَا إذَا حَنِثَ عَتَقَ مَمَالِيكُهُ، وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُ كَفَّارَةٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَحَفْصَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَأَبِي ثَوْرٍ: تُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. لِأَنَّهَا يَمِينٌ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] .

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قَالَتْ مَوْلَاتِي لَيْلَى بِنْتُ الْعَجْمَاءِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا مُحَرَّرٌ، وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ إنْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَك وَبَيْنَ امْرَأَتِك. قَالَ: فَأَتَيْت زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ، ثُمَّ أَتَيْت حَفْصَةَ. إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ، فَجَاءَ مَعِي إلَيْهَا، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَمِنْ حِجَارَةٍ أَنْتِ أَمْ مِنْ حَدِيدٍ؟ أَفْتَتْكِ زَيْنَبُ، وَأَفْتَتْكِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك، وَخَلِّي بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْجُوزَجَانِيُّ مُطَوَّلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>