فَيَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْخَبَرِ. وَعَنْهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا.
وَهِيَ أَصَحُّ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ، إذَا كَانَتْ لَا تُسَمَّى بَقَرًا بِدُونِ الْإِضَافَةِ، فَيُقَالُ: بَقَرُ الْوَحْشِ. وَلِأَنَّ وُجُودَ نِصَابٍ مِنْهَا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّوْمِ حَوْلًا لَا وُجُودَ لَهُ، وَلِأَنَّهَا حَيَوَانٌ لَا يُجْزِئُ نَوْعُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَالظِّبَاءِ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، كَسَائِرِ الْوُحُوشِ، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا، لِكَثْرَةِ النَّمَاءِ فِيهَا مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا، وَكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، لِكَثْرَتِهَا وَخِفَّةِ مَئُونَتِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهَا، فَاخْتَصَّتْ الزَّكَاةُ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الظِّبَاءِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اسْمِ الْغَنَمِ لَهَا.
[فَصْلُ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ]
(١٧١٣) فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَحْشِيَّةُ الْفُحُولَ أَوْ الْأُمَّهَاتِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ أَهْلِيَّةً وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْبَهِيمَةِ يَتْبَعُ أُمَّهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَحْشِيٍّ، أَشْبَهَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ وَحْشِيَّيْنِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَا لَا تَجِبُ فِيهِ، فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، كَالْمُتَوَلِّدَةِ بَيْنِ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ غَنَمَ مَكَّةَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ، وَفِيهَا الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُضَمُّ إلَى جِنْسِهَا مِنْ الْأَهْلِيِّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَتُكْمَلُ بِهَا نِصَابُهُ، وَتَكُونُ كَأَحَدِ أَنْوَاعِهِ، وَالْقَوْلُ بِانْتِفَاءِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ انْتِفَاءُ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَلَا نَصَّ فِي هَذِهِ وَلَا إجْمَاعَ، إنَّمَا هُوَ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مِنْ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ دَاخِلَةً فِي أَجْنَاسِهَا، وَلَا حُكْمِهَا، وَلَا حَقِيقَتِهَا، وَلَا مَعْنَاهَا.
فَإِنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ وَجِنْسِهِ وَحُكْمِهِ عَنْهُمَا، كَالْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ، وَالسَّبْعِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ، وَالْعِسْبَارِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّبُعَانِ وَالذِّئْبَةِ، فَكَذَلِكَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْمَعْزِ لَيْسَ بِمَعْزٍ وَلَا ظَبْيٍ، وَلَا يَتَنَاوَلُهُ نُصُوصُ الشَّارِعِ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَيْهَا، لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا، وَاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا، فِي كَوْنِهِ لَا يُجْزِئُ فِي هَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ وَلَا دِيَةٍ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْغَنَمِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ، وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي شِرَاءِ شَاةٍ، لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَكَالَةِ، وَلَا يَحْصُلُ مِنْهُ مَا يَحْصُلُ مِنْ الشِّيَاهِ؛ مِنْ الدَّرِّ، وَكَثْرَةِ النَّسْلِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْسَلُّ لَهُ أَصْلًا، فَإِنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ ثِنْتَيْنِ لَا نَسْلَ لَهُ كَالْبِغَالِ، وَمَا لَا نَسْلَ لَهُ لَا دَرَّ فِيهِ، فَامْتَنَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute