للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ حُكْم غَسَلَ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا أَوْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ أَوْ دُونَ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ]

(١٦٣٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا، أَوْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، أَوْ دُونَ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يُغَسَّلُ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّ رُتْبَتَهُ دُونَ رُتْبَةِ الشَّهِيدِ فِي الْمُعْتَرَكِ، فَأَشْبَهَ الْمَبْطُونَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا لَا يَكْثُرُ الْقَتْلُ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ إلْحَاقُهُ بِشُهَدَاءِ الْمُعْتَرَكِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ شَهِيدًا، أَشْبَهَ شَهِيدَ الْمُعْتَرَكِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ.»

[فَصْلٌ حُكْم غَسَلَ الشَّهِيدُ بِغَيْرِ قَتْلٍ كَالْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ]

(١٦٣٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا الشَّهِيدُ بِغَيْرِ قَتْلٍ، كَالْمَبْطُونِ، وَالْمَطْعُونِ، وَالْغَرِقِ، وَصَاحِبِ الْهَدْمِ، وَالنُّفَسَاءِ، فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ؛ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا مَا يُحْكَى عَنْ الْحَسَنِ: لَا يُصَلَّى عَلَى النُّفَسَاءِ؛ لِأَنَّهَا شَهِيدَةٌ. وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ وَسَطَهَا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. «وَصَلَّى عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَهُوَ شَهِيدٌ» .

وَصَلَّى الْمُسْلِمُونَ عَلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُمَا شَهِيدَانِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ.» وَزَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: " صَاحِبُ الْحَرِيقِ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعٍ شَهِيدَةٌ ". وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ غُسْلَ الشَّهِيدِ فِي الْمَعْرَكَةِ؛ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ إزَالَةِ الدَّمِ الْمُسْتَطَابِ شَرْعًا، أَوْ لِمَشَقَّةِ غُسْلِهِمْ، لِكَثْرَتِهِمْ، أَوْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْجِرَاحِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ هَاهُنَا.

[فَصْلٌ إنْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْمُشْرِكِينَ صَلَّى عَلَى جَمِيعِهِمْ]

(١٦٣٧) فَصْلٌ: فَإِنْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ يُمَيَّزُوا، صَلَّى عَلَى جَمِيعِهِمْ يَنْوِي الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَحْمَدُ: وَيَجْعَلُهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ، صَلَّى عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَكْثَرِ، بِدَلِيلِ أَنَّ دَارَ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ؛ لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ بِهَا، وَعَكْسُهَا دَارُ الْحَرْبِ، لِكَثْرَةِ مَنْ بِهَا مِنْ الْكُفَّارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>