وَالتَّضَرُّعِ. وَأَيًّا مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، فَإِنْ شَاءَ فَعَلَهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَةً وَاحِدَةً؛ لِتَكُونَ كَالْعِيدِ، وَلِيَكُونُوا قَدْ فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ أُجِيبَ دُعَاؤُهُمْ فَأُغِيثُوا، فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَطَرِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ. نَفْيٌ لِلصِّفَةِ لَا لِأَصْلِ الْخُطْبَةِ، أَيْ لَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ، إنَّمَا كَانَ جُلُّ خُطْبَتِهِ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ وَالتَّكْبِيرَ
[مَسْأَلَةٌ لِلْخَطِيبِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَة فِي أَثْنَاء الْخُطْبَة لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاء]
(١٤٧٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ، فَيَجْعَلُ الْيَمِينَ يَسَارًا، وَالْيَسَارَ يَمِينًا، وَيَفْعَلُ النَّاسُ كَذَلِكَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي لَفْظٍ: «فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو» .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ سِرًّا حَالَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك أَمَرْتَنَا بِدُعَائِك، وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَك، فَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتنَا، اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِنَا، وَإِجَابَتِنَا فِي سُقْيَانَا، وَسَعَةِ أَرْزَاقِنَا. ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِ دِينٍ وَدُنْيَا. وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَارُ؛ لِيَكُونَ أَقْرَبَ مِنْ الْإِخْلَاصِ، وَأَبْلَغَ فِي الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّضَرُّعِ، وَأَسْرَعَ فِي الْإِجَابَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] .
وَاسْتُحِبَّ الْجَهْرُ بِبَعْضِهِ؛ لِيَسْمَعَ النَّاسُ، فَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَوِّلَ رِدَاءَهُ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَفْظٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» . وَفِي لَفْظٍ: «وَقَلَبَ رِدَاءَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَيُسْتَحَبُّ تَحْوِيلُ الرِّدَاءِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسَنُّ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، فَلَا يُسْتَحَبُّ تَحْوِيلُ الرِّدَاءِ فِيهِ، كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ. وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، أَنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ.
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، لِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَصْحَابِهِ. وَلَنَا، أَنَّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ دَلِيلٌ، كَيْفَ وَقَدْ عُقِلَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ، وَهُوَ التَّفَاؤُلُ بِقَلْبِ الرِّدَاءِ، لِيَقْلِبَ اللَّهُ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute