للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ

مَخَافَةُ رَبِّي وَالْحَيَاءُ يَكُفُّنِي ... وَأُكْرِمُ بَعْلِي أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهْ

فَسَأَلَ عُمَرُ نِسَاءً: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ الزَّوْجِ؟ فَقُلْنَ: شَهْرَيْنِ، وَفِي الثَّالِثِ يَقِلُّ الصَّبْرُ، وَفِي الرَّابِعِ يَنْفَدُ الصَّبْرُ. فَكَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، أَنْ لَا تَحْبِسُوا رَجُلًا عَنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

[فَصْلٌ عَلَّقَ الْإِيلَاء بِشَرْطِ مُسْتَحِيلٍ]

(٦١٠٧) فَصْلٌ: وَإِذَا عَلَّقَ الْإِيلَاء بِشَرْطِ مُسْتَحِيلٍ، كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَتَّى تَصْعَدِي السَّمَاءَ، أَوْ تَقْلِبِي الْحَجَرَ ذَهَبًا، أَوْ يَشِيبَ الْغُرَابُ. فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ تَرْكُ وَطْئِهَا؛ فَإِنَّ مَا يُرَادُ إحَالَةُ وُجُودِهِ يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَحِيلَاتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكُفَّارِ {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: ٤٠] . وَمَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْت أَهْلِي ... وَصَارَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ

وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَتَّى تَحْبَلِي. فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ حَبَلَهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً، فَهُوَ كَصُعُودِ السَّمَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ بِمُولٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ آيِسَةً، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا.

قَالَ الْقَاضِي وَإِذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا مُمْكِنٌ. وَلَنَا، أَنَّ الْحَمْلَ بِدُونِ الْوَطْءِ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً، فَكَانَ تَعْلِيقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إيلَاءً، كَصُعُودِ السَّمَاءِ. وَدَلِيلُ اسْتِحَالَتِهِ قَوْلُ مَرْيَمَ {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: ٢٠] . وَقَوْلُهُمْ {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: ٢٨] وَلَوْلَا اسْتِحَالَتُهُ لَمَا نَسَبُوهَا إلَى الْبِغَاءِ بِوُجُودِ الْوَلَدِ، وَأَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ، إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ.

وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْحَبَلَ لَا يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ. فَإِنْ قَالُوا: يُمْكِنُ حَبَلُهَا مِنْ وَطْءِ غَيْرِهِ، أَوْ بِاسْتِدْخَالِ مَنِيِّهِ. قُلْنَا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ: لَا وَطِئْتُك حَتَّى تَحْبَلِي مِنْ غَيْرِي، أَوْ: مَا دُمْت فِي نِكَاحِي. أَوْ: حَتَّى تَزْنِي. كَانَ مُولِيًا، وَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ عَادَةً، إنْ وُجِدَ كَانَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: إنَّ الْمَنِيَّ إذَا بَرَدَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُ وَلَدٌ. وَصَحَّحَ قَوْلَهُمْ قِيَامُ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْضَهَا، وَجَرَيَانُ الْعَادَةِ عَلَى وَفْقِ مَا قَالُوهُ.

وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>