عَبْدًا. فَإِنَّهُ نَذْرٌ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ؛ لِكَوْنِ النَّذْرِ كَالْيَمِينِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى صِفَةٍ، فَوُجُودُ الصِّفَةِ أَثَّرَ فِي جَعْلِ الْمُعَلَّقِ كَالْمُنْجَزِ، وَلَوْ نَجَزَ الْعِتْقُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.
[فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ]
(٧٩٨٩) فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ، أَوْ فَعَلَى فُلَانٍ حِجَّةٌ، أَوْ فَمَالُ فُلَانٍ حَرَامٌ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ. وَأَشْبَاهَ هَذَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ، وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ. وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ فِيهِ بِكَفَّارَةٍ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ.
[مَسْأَلَةٌ وَمِنْ حَلَفَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ]
(٧٩٩٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَنْ حَلَفَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ صَوْمًا، أَوْ غَيْرَهُ، إلَّا فِي الظِّهَارِ وَالْحَرَامِ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ الظِّهَارُ وَالْحَرَامُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا عَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فِيمَا عَلِمْنَاهُ، فِي وُجُوبِ تَقْدِيمِ كَفَّارَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] . فَأَمَّا كَفَّارَةُ سَائِرِ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ، صَوْمًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَرَبِيعَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ تَكْفِيرٌ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَفَّرَ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّكْفِيرِ الْحِنْثُ، إذْ هُوَ هَتْكُ الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ الْمُحْتَرَمِ، وَلَمْ يُوجَدْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَقَوْلِنَا فِي الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَكَقَوْلِهِمْ فِي الصِّيَامِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ. فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ لِغَيْرِ مَشَقَّةٍ، كَالصَّلَاةِ. وَلَنَا، مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ: «وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْأَثْرَمُ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَعْدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنِّي إنْ شَاءَ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا كَفَّرْت عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. أَوْ أَتَيْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute