فَرْضَهُ دُونَ الْآخَر. وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ أَنْ يَنُوبَا فِي الْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُسْقِطَا فَرْضَ الْحَجِّ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، فَهُمَا كَالْحُرِّ الْبَالِغِ فِي ذَلِكَ، وَأَوْلَى مِنْهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُمَا النِّيَابَةَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ دُون الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْحَجَّةُ الَّتِي نَابَا فِيهَا عَنْ فَرْضِهِمَا؛ لِكَوْنِهِمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهِ، فَبَقِيَتْ لِمَنْ فُعِلَتْ عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمَا رَدُّ مَا أَخَذَا لِذَلِكَ، كَالْبَالِغِ الْحُرِّ الَّذِي قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ.
[فَصْل أُحَرِّم بِالْمَنْذُورَةِ وَعَلَيْهِ حُجَّة الْإِسْلَام]
(٢٢٤٧) فَصْلٌ: إذَا أَحْرَمَ بِالْمَنْذُورَةِ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، فَوَقَعَتْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ، وَعَطَاءٍ؛ لِأَنَّهَا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا تُجْزِئُ عَنْ حَجَّتَيْنِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ حَجَّتَيْنِ، فَحَجَّ وَاحِدَةً. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْحَجَّةِ نَاوِيًا بِهَا نَذَرَهُ، فَأَجْزَأَتْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مِمَّنْ أَسْقَطَ فَرْضَ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ.
وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ مَفْرُوضَةٌ، فَأَحْرَمَ عَنْ النَّذْرِ، وَقَعَتْ عَنْ الْمَفْرُوضِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَهَذَا مِثْلُ مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَنَوَاهُ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ، عَلَى رِوَايَةٍ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمَا قَالَا، فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ، وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرِيضَةَ، قَالَ: يُجْزِئُ لَهُمَا جَمِيعًا. وَسُئِلَ عِكْرِمَةُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَقْضِي حَجَّةً عَنْ نَذْرِهِ، وَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، أَلَيْسَ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ مِنْ الْعَصْرِ وَمِنْ النَّذْرِ؟ قَالَ: وَذَكَرْت قَوْلِي لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَصَبْت أَوْ أَحْسَنْت.
[مَسْأَلَة الصَّبِيَّ إذَا حَجَّ وَالْعَبْدَ إذَا حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ]
(٢٢٤٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ حَجَّ وَهُوَ غَيْرُ بَالِغٍ، فَبَلَغَ، أَوْ عَبْدٌ فَعَتَقَ، فَعَلَيْهِ الْحَجُّ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ، إلَّا مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ خِلَافًا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا حَجَّ فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَالْعَبْدَ إذَا حَجَّ فِي حَالَ رِقِّهِ، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ، أَنَّ عَلَيْهِمَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، إذَا وَجَدَا إلَيْهِمَا سَبِيلًا. كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجَدِّدَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ عَهْدًا، أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ، فَمَاتَ، أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، فِي (سُنَنِهِ) ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَلِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَعَلَهَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ فِي وَقْتِهَا، كَمَا لَوْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى، ثُمَّ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute