للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ وَلَدُ الْعَارِيَّة لَا يَجِبُ ضَمَانُهُ]

(٣٩١٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا وَلَدُ الْعَارِيَّةِ، فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِعَارَةِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الضَّمَانِ، وَلَا فَائِدَةَ لِلْمُسْتَعِيرِ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ، وَيَضْمَنُهُ فِي الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ، فَيَضْمَنُ، كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ وَلَدَ الْمَغْصُوبَةِ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَغْصُوبًا. وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْعَارِيَّةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَ أُمِّهِ. وَإِنَّمَا يَضْمَنُ وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ إذَا كَانَ مَغْصُوبًا، فَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ وَلَدًا لَهَا.

(٣٩١٥) فَصْلٌ: وَيَجِبُ ضَمَانُ الْعَيْنِ بِمِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلِيَّةً، ضَمِنَهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلَفِهَا، إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ ضَمَانُ الْأَجْزَاءِ التَّالِفَةِ بِالِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا قَبْلَ تَلَفِ أَجْزَائِهَا، إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ، ضَمِنَهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلَفِهَا، عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.

[فَصْلٌ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ رَدُّهَا إلَى الْمُعِيرِ]

(٣٩١٦) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً، فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ رَدُّهَا إلَى الْمُعِيرِ أَوْ وَكِيلِهِ فِي قَبْضِهَا، وَيَبْرَأُ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِهَا. وَإِنْ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ، أَوْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمَقْبُوضَةِ، فَإِنَّ رَدَّ الْعَوَارِيِّ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ إلَى أَمْلَاكِ أَرْبَابِهَا، فَيَكُونُ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَادَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا، وَلَا نَائِبِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ. وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالسَّارِقِ إذَا رَدَّ الْمَسْرُوقَ إلَى الْحِرْزِ، وَلَا تُعْرَفُ الْعَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا. وَإِنْ رَدَّهَا إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْهِ، كَزَوْجَتِهِ الْمُتَصَرِّفَةِ فِي مَالِهِ، وَرَدِّ الدَّابَّةِ إلَى سَائِسِهَا، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَبْرَأُ. قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ: إذَا سَلَّمَهَا الْمُودِعُ إلَى امْرَأَتِهِ، لَمْ يَضْمَنْهَا.

وَلِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي ذَلِكَ عُرْفًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أُذِنَ فِيهِ نُطْقًا. وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» . وَقَوْلِهِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . وَعَلَيْهِ رَدُّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ؛ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى رَدِّهَا إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ رَدُّهُ، لَزِمَ رَدُّهُ إلَى مَوْضِعِهِ، كَالْمَغْصُوبِ.

[فَصْلٌ لَا تَصِحُّ الْعَارِيَّة إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ]

فَصْلٌ: (٣٩١٧) وَلَا تَصِحُّ الْعَارِيَّةِ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، فَأَشْبَهَ التَّصَرُّفَ بِالْبَيْعِ وَتُعْقَدُ بِكُلِّ فِعْلٍ أَوْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: أَعَرْتُك هَذَا. أَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا، وَيَقُولُ: أَبَحْتُك الِانْتِفَاعَ بِهِ. أَوْ خُذْ هَذَا فَانْتَفِعْ بِهِ. أَوْ يَقُولُ: أَعِرْنِي هَذَا. أَوْ أَعْطِنِيهِ أَرْكَبْهُ أَوْ أَحْمِلْ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>