[فَصْلُ أَخَّرَ الزَّكَاةَ فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْفَقِيرِ حَتَّى ضَاعَتْ]
(١٨١٨) فَصْلٌ: فَإِنْ أَخَّرَ الزَّكَاةَ، فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْفَقِيرِ حَتَّى ضَاعَتْ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ. كَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَّطَ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ، وَفِي حِفْظِ ذَلِكَ الْمُخْرَجِ، رُجِعَ إلَى مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ زَكَاةٌ أَخْرَجَهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُزَكِّي مَا بَقِيَ، إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ النِّصَابِ فَتَسْقُطَ الزَّكَاةُ، فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَاهَا تُجْزِئُهُ إذَا أَخْرَجَهَا فِي مَحَلِّهَا، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُزَكِّي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَيِّنٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، تَلِفَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِذَلِكَ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ دَفَعَ إلَى أَحَدٍ زَكَاتَهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَقَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْهُ، قَالَ: اشْتَرِ لِي بِهَا ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا. فَذَهَبَتْ الدَّرَاهِمُ، أَوْ اشْتَرَى بِهَا مَا قَالَ فَضَاعَ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مَكَانَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ، وَلَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ، وَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِهَا. فَضَاعَتْ، أَوْ ضَاعَ مَا اشْتَرَى بِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرَّطَ.
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَمْلِكُهَا الْفَقِيرُ إلَّا بِقَبْضِهَا، فَإِذَا وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ بِهَا كَانَ التَّوْكِيلُ فَاسِدًا، لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ بِمَا لَيْسَ لَهُ، وَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا تَلِفَتْ كَانَتْ فِي ضَمَانِهِ.
[فَصْلُ عَزَلَ قَدْرَ الزَّكَاةِ فَنَوَى أَنَّهُ زَكَاةٌ فَتَلِفَ]
فَصْلٌ: وَلَوْ عَزَلَ قَدْرَ الزَّكَاةِ، فَنَوَى أَنَّهُ زَكَاةٌ، فَتَلِفَ، فَهُوَ فِي ضَمَانِ رَبِّ الْمَالِ، وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ بِذَلِكَ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. اهـ.
[مَسْأَلَةُ رَهَنَ مَاشِيَةً فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ]
(١٨٢٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ رَهَنَ مَاشِيَةً، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، أَدَّى مِنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُؤَدِّي عَنْهَا، وَالْبَاقِي رَهْنٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ مَاشِيَةً، فَحَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَجَبَتْ زَكَاتُهَا عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا تَامٌّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّهْنِ، وَمُؤْنَةُ الرَّهْنِ تَلْزَمُ الرَّاهِنَ، كَنَفَقَةِ النِّصَابِ، وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ النِّصَابِ، لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ تَعَلُّقًا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الرَّاهِنِ فِيهِ، وَالزَّكَاةُ لَا يَتَعَيَّنُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ، فَلَمْ يَمْلِكْ إخْرَاجَهَا مِنْهُ كَزَكَاةِ مَالٍ سِوَاهُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ سِوَى هَذَا الرَّهْنِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُمْكِنُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَيَبْقَى بَعْدَ قَضَائِهِ نِصَابٌ كَامِلٌ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ زَائِدَةً عَلَى النِّصَابِ قَدْرًا يُمْكِنُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَيَبْقَى النِّصَابُ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ الْمَاشِيَةِ، وَيُقَدِّمُ حَقَّ الزَّكَاةِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute