وُجِدَ شَيْءٌ مَوْسُومٌ عَلَيْهِ: حُبِسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، رُدَّ كَمَا كَانَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُقْسَمُ مَا لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهُ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا قَدْ عُرِفَ مَصْرِفُهُ وَهُوَ الْحَبْسُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةٍ مَا لَوْ عُرِفَ صَاحِبُهُ.
قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَالْجَوَامِيسُ تُدْرَكُ وَقَدْ سَاقَهَا الْعَدُوُّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رُدَّتْ، يُؤْكَلُ مِنْهَا؟ قَالَ: إذَا عُرِفَ لِمَنْ هِيَ، فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهَا.
قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَمَا حَازَ الْعَدُوُّ لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ، أَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقِفُوهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ صَاحِبُهُ؟ قَالَ: إذَا عُرِفَ فَقِيلَ: هُوَ لِفُلَانٍ. وَكَانَ صَاحِبُهُ بِالْقُرْبِ. قِيلَ لَهُ: أُصِيبَ غُلَامٌ فِي بِلَادِ الرُّومِ، فَقَالَ: أَنَا لِفُلَانٍ؛ رَجُلٍ؟ قَالَ: إذَا عُرِفَ الرَّجُلُ، لَمْ يُقْسَمْ مَالُهُ، وَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ. قِيلَ لَهُ: أَصَبْنَا مَرْكَبًا فِي بِلَادِ الرُّومِ، فِيهَا النَّوَاتِيَّةُ، قَالُوا: هَذَا لِفُلَانٍ، وَهَذَا لِفُلَانٍ. قَالَ: هَذَا قَدْ عُرِفَ صَاحِبُهُ، لَا يُقْسَمُ.
[فَصْل يَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ]
(٧٥٤٤) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: يَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَمْلِكُونَهَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، حَيْثُ قَالَ: إنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِنَّمَا مَنَعَهُ أَخْذَهُ بَعْدَ قَسْمِهِ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ لَهُ تَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ، وَمَتَى صَادَفَ الْحُكْمُ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ، نَفَذَ حُكْمُهُ.
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: لَا يَمْلِكُونَهَا بِحَدِيثِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ، طَرَأَتْ عَلَيْهِ يَدٌ عَادِيَةٌ، فَلَمْ يُمْلَكْ بِهَا، كَالْغَصْبِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ غَيْرِهِ بِالْقَهْرِ، لَمْ يَمْلِكْ مَالَهُ بِهِ، كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْمُسْلِمِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الْقَهْرَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَالَ الْكَافِرِ، فَمَلَكَ بِهِ الْكَافِرُ مَالَ الْمُسْلِمِ، كَالْبَيْعِ. فَأَمَّا النَّاقَةُ، فَإِنَّمَا أَخَذَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ أَدْرَكَهَا غَيْرَ مَقْسُومَةٍ وَلَا مُشْتَرَاةٍ. فَعَلَى هَذَا، يَمْلِكُونَهَا قَبْلَ حِيَازَتِهَا إلَى دَارِ الْكُفْرِ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَهَا بِالْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَحُكِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ، فَيَثْبُتُ قَبْلَ الْحِيَازَةِ إلَى الدَّارِ، كَاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَالِ الْكُفَّارِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، أَثْبَتَهُ حَيْثُ وُجِدَ، كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِلْكُفَّارِ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَبَاحَ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا عَلَيْهَا قِسْمَتَهَا، وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا، مَا لَمْ يَعْلَمُوا صَاحِبَهَا، وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا.
وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ الْمِلْكَ، اقْتَضَى مَذْهَبُهُ عَكْسَ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute