فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ، لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، لِكَوْنِ الْحَالِفِ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ بِلَفْظِهِ إلَّا مَا يَعْرِفُهُ، وَإِنْ أَكَلَ دَوَاءً، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يُطْعَمُ حَالَ الِاخْتِيَارِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الطَّعَامِ، وَلَا يُؤْكَلُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. فَإِنْ أَكَلَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ، حَنِثَ. وَإِنْ أَكَلَ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ، كَوَرَقِ الشَّجَرِ، وَنُشَارَةِ الْخَشَبِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَكَلَهُ، فَأَشْبَهَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ، وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابِعَ سَبْعَةٍ، مَا لَنَا طَعَامٌ إلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا» . وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الطَّعَامِ فِي الْعُرْفِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ قُوَّتَا فَأَكَلَ خُبْزًا أَوْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ لَحْمًا أَوْ لَبَنًا]
(٨١٤٢) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ قُوتًا، فَأَكَلَ خُبْزًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا، أَوْ لَحْمًا، أَوْ لَبَنًا، حَنِثَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ يُقْتَاتُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا بِأَكْلِ مَا يَقْتَاتُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى الْقُوتِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ فِي بَلَدِهِمْ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ.
وَإِنْ أَكَلَ سَوِيقًا، أَوْ اسْتَفَّ دَقِيقًا، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَاتُ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ اللُّصُوصِ:
لَا تَخْبِزَا خُبْزًا وَبُسَّابَسَّا ... وَلَا تُطِيلَا بِمُقَامٍ حَبْسَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute