الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالنَّقْلِ فِيهَا، وَلَوْ ذَهَبَ رَحْلُهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ وَخَرَجَ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ يَدَهُ زَالَتْ عَنْ الْمَتَاعِ.
وَإِنْ تَرَدَّدَ إلَى الدَّارِ لِنَقْلِ الْمَتَاعِ، أَوْ عَائِدًا لِمَرِيضٍ، أَوْ زَائِرًا لِصَدِيقٍ، لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ دَخَلَهَا وَمِنْ رَأْيِهِ الْجُلُوسُ عِنْدَهُ، حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسُكْنَى، وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَيَسْكُنَنَّ دَارًا، لَمْ يَبَرَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يُسَمَّى سَاكِنًا بِهِ بِهَذَا الْعُذْرِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ الْجُلُوسَ. وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي الدَّارِ امْرَأَةٌ أَوْ عَائِلَةٌ، فَأَرَادَهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ، وَالِانْتِقَالِ عَنْهَا، فَأَبَوْا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهُمْ، فَخَرَجَ وَتَرَكَهُمْ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَمْ يُمْكِنْهُ نَقْلُهُ مِنْ رَحْلِهِ.
[فَصْلِ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا]
(٨٠٧٨) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، فَالْحُكْمُ فِي الِاسْتِدَامَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى. وَإِنْ انْتَقَلَ أَحَدُهُمَا، وَبَقِيَ الْآخَرُ، لَمْ يَحْنَثَ؛ لِزَوَالِ الْمُسَاكَنَةِ. وَإِنْ سَكَنَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتٍ ذِي بَابٍ وَغَلْقٍ، رُجِعَ إلَى بَيْتِهِ بِيَمِينِهِ أَوْ إلَى سَبَبِهَا، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ فِيهِ، فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ كُلُّهُ، حَنِثَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً، فَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ مَسْكَنٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ، وَالْآخَرُ فِي الصُّفَّةِ، أَوْ كَانَا فِي صُفَّتَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ لَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمَا غَلْقٌ، دُونَ صَاحِبِهِ، فَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ. وَإِنْ كَانَا فِي بَيْتَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ غَلْقٌ، أَوْ كَانَا فِي خَانٍ، فَلَيْسَا مُتَسَاكَنِينَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِمَسْكَنِهِ دُونَ الْآخَرِ، فَأَشْبَهَا الْمُتَجَاوِرَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِمَسْكَنِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَكَانَا مُتَسَاكِنَيْنِ، كَالصَّغِيرَةِ، وَفَارَقَ الْمُتَجَاوِرَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مُتَسَاكِنَيْنِ، وَيَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْمُسَاكَنَةِ، لَا عَلَى الْمُجَاوَرَةِ. وَلَوْ كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ حَالَةَ الْيَمِينِ، فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا، وَقَسَمَاهَا حُجْرَتَيْنِ، وَفَتَحَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَابًا، وَبَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، ثُمَّ سَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حُجْرَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَسَاكِنَيْنِ. وَإِنْ تَشَاغَلَا بِبِنَاءِ الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاكَنَا قَبْلَ انْفِرَادِ إحْدَى الدَّارَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (٨٠٧٩) .
فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ: لَا سَاكَنْت فُلَانًا فِي هَذِهِ الدَّارِ. وَقَسَمَاهَا حُجْرَتَيْنِ، وَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ بَابًا، ثُمَّ سَكَنَا فِيهِمَا، لَمْ يَحْنَثْ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِكَوْنِهِ عَيْنَ الدَّارِ، فَلَا يَنْحَلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute