للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقَعُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا. وَعَلَى هَذَا، إنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ، وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فِي الْمَسْكَنِ مَعَ إمْكَانِ نَقْلِهِمْ عَنْهُ، حَنِثَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ، فَلَيْسَ بِسَاكِنٍ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ السُّكْنَى وَحْدَهُ دُونَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. وَلَنَا، أَنَّ السُّكْنَى تَكُونُ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: فُلَانٌ سَاكِنُ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ. وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ بِنَفْسِهِ. وَإِذَا نَزَلَ بَلَدًا بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ يُقَالُ: سَكَنَهُ. وَلَوْ نَزَلَهُ بِنَفْسِهِ، لَا يُقَالُ: سَكَنَهُ.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ نَوَى السُّكْنَى بِنَفْسِهِ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ مَنْ خَرَجَ إلَى مَكَان لِيَنْقُلَ أَهْلَهُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَنْوِ السُّكْنَى بِنَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ مَنْ خَرَجَ يَشْتَرِي مَتَاعًا. وَإِنْ خَرَجَ عَازِمًا عَلَى السُّكْنَى بِنَفْسِهِ، مُنْفَرِدًا عَنْ أَهْلِهِ الَّذِي فِي الدَّارِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.

وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ اعْتَبَرَ نَقْلَ عِيَالِهِ دُونَ مَالِهِ. وَالْأَوْلَى، إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ بِأَهْلِهِ، فَسَكَنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ بَقِيَ مَتَاعُهُ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ مَسْكَنَهُ حَيْثُ حَلَّ أَهْلُهُ بِهِ، وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا لَهَا، فَنَزَلَهَا بِأَهْلِهِ نَاوِيًا لِلسُّكْنَى بِهَا، حَنِثَ وَقَالَ. الْقَاضِي: إنْ نَقَلَ إلَيْهَا مَا يَتَأَثَّثُ بِهِ، وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَهُوَ سَاكِنٌ وَإِنْ سَكَنَهَا بِنَفْسِهِ.

(٨٠٧٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْمُقَامِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فِي وَقْتٍ لَا يَجِدُ مَنْزِلًا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ، أَوْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْزِلِ أَبْوَابٌ مُغْلَقَةٌ لَا يُمْكِنُهُ فَتْحُهَا، أَوْ خَوْفٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ، فَأَقَامَ فِي طَلَبِ النَّقْلَةِ، أَوْ انْتِظَارًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْهَا، أَوْ خَرَجَ طَالِبًا لِلنَّقْلَةِ فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ؛ إمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ، لِتَعَذُّرِ الْكِرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يَجِدْ بَهَائِمَ يَنْتَقِلُ عَلَيْهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ النَّقْلَةُ بِدُونِهَا، فَأَقَامَ نَاوِيًا، لِلنَّقْلَةِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَقَامَ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّقْلَةِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا لَا يُمْكِنُهُ تَرْكُ أَهْلِهِ، وَإِلْقَاءُ مَتَاعِهِ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ، كَالْمُقِيمِ لِلْإِكْرَاهِ.

وَإِنْ أَقَامَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، غَيْرَ نَاوٍ لِلنَّقْلَةِ، حَنِثَ، وَيَكُونُ نَقْلُهُ لِمَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ، عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَلَوْ كَانَ ذَا مَتَاعٍ كَثِيرٍ، فَنَقَلَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا عَلَى الْعَادَةِ، بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ النَّقْلَ الْمُعْتَادَ، لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَقَامَ أَيَّامًا، وَلَا يَلْزَمُهُ جَمْعُ دَوَابِّ الْبَلَدِ لِنَقْلِهِ، وَلَا النَّقْلَةُ بِاللَّيْلِ، وَلَا وَقْتَ الِاسْتِرَاحَةِ عَنَدَ التَّعَبِ، وَلَا أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>