قَاطِعًا لِغَيْرِ مَا أُذِنَ فِيهِ. فَإِنْ كَانَ الْقَبَاءُ مَخِيطًا بِخُيُوطٍ لِمَالِكِهِ، لَمْ يَمْلِكْ الْخَيَّاطُ فَتْقَهُ، وَكَانَ لِمَالِكِهِ أَخْذُهُ مَخِيطًا بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ عَمَلًا مُجَرَّدًا عَنْ عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إزَالَتُهُ، كَمَا لَوْ نَقَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ إذَا رَضِيَ صَاحِبُهُ بِتَرْكِهِ فِيهِ. وَإِنْ كَانَتْ الْخُيُوطُ لِلْخَيَّاطِ، فَلَهُ نَزْعُهَا؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَا يَتْلَفُ بِأَخْذِهَا مَا لَهُ حُرْمَةٌ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا. وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَنَا أَشُدُّ فِي كُلِّ خَيْطٍ خَيْطًا. حَتَّى إذَا سَلَّهُ عَادَ خَيْطُ رَبِّ الثَّوْبِ فِي مَكَانِهِ، لَمْ يَلْزَمْ الْخَيَّاطَ الْإِجَابَةُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِهِ. وَحُكْمُ الصَّبَّاغِ فِي قَلْعِ الصَّبْغِ إنْ أَحَبَّهُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ حُكْمُ صَبْغِ الْغَاصِبِ
عَلَى مَا مَضَى فِي بَابِهِ. وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي دَلِيلِهِمْ.
[فَصْلٌ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ]
(٤٢٨٥) فَصْلٌ: وَكُلُّ مِنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ، فَلَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يُوقِعَهُ وَهِيَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ، كَالصَّبَّاغِ يَصْبُغُ فِي حَانُوتِهِ، وَالْخَيَّاطِ فِي دُكَّانِهِ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يُسَلِّمَهُ مَفْرُوغًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةٍ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْعَاقِدِ، كَالْمَبِيعِ مِنْ الطَّعَامِ، لَا يَبْرَأُ مِنْهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا إنْ كَانَ يُوقِعُ الْعَمَلَ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ، مِثْلُ أَنْ يُحْضِرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ إلَى دَارِهِ لِيَخِيطَ فِيهَا، أَوْ يَصْبُغَ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْعَمَلِ، وَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَصِيرُ مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ حَالًا فَحَالًا
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَبْنِي لَهُ حَائِطًا فِي دَارِهِ، أَوْ يَحْفِرُ فِيهَا بِئْرًا، لَبَرِئَ مِنْ الْعَمَلِ، وَاسْتَحَقَّ أَجْرَهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ. وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ الْحَائِطُ، لَمْ يَبْرَأْ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ. وَلَوْ انْهَارَتْ عَقِيبَ الْحَفْرِ، أَوْ الْحَائِطُ بَعْدَ بِنَائِهِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْعَمَلِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: اسْتَعْمِلْ أَلْفَ لَبِنَةٍ فِي كَذَا وَكَذَا. فَعَمِلَ، ثُمَّ سَقَطَ، فَلَهُ الْكِرَاءُ
وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ فَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ تَلِفَ مَا عَمِلَهُ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: إذَا اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا، فَعَمِلَ، وَسَقَطَ عِنْدَ اللَّيْلِ مَا عَمِلَ، فَلَهُ الْكِرَاءُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَعَمَلُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا طُولُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَبَنَى بَعْضَهُ، فَسَقَطَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يُتَمِّمَهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَشْرُوطٌ بِإِتْمَامِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قِيلَ لَهُ: ارْفَعْ حَائِطًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا. فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ، فَإِنْ سَقَطَ، فَعَلَيْهِ التَّمَامُ. وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا عُمْقُهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَحَفَرَ مِنْهَا خَمْسَةً، وَانْهَارَ فِيهَا تُرَابٌ مِنْ جَوَانِبِهَا، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يُتَمِّمَ حَفْرَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute