[فَصْلٌ وَيَخْرُج مَعَ الْمَرْأَة مُحْرِمهَا حَتَّى يَسْكُنهَا]
(٧١٤٦) فَصْلٌ: وَيَخْرُجُ مَعَ الْمَرْأَةِ مَحْرَمُهَا حَتَّى يُسْكِنَهَا فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ إنْ شَاءَ رَجَعَ إذَا أَمِنَ عَلَيْهَا، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ مَعَهَا حَتَّى يَكْمُلَ حُولُهَا. وَإِنْ أَبَى الْخُرُوجَ مَعَهَا، بَذَلَتْ لَهُ الْأُجْرَةَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَتَبْذُلُ مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مُؤْنَةِ سَفَرِهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا التَّغَرُّبُ بِنَفْسِهَا، فَلَمْ يَلْزَمْهَا زِيَادَةٌ عَلَيْهِ كَالرَّجُلِ، وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ مُؤْنَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا، كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ. فَعَلَى هَذَا تُبْذَلُ الْأُجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَعَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ، بُذِلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ أَبَى مَحْرَمُهَا الْخُرُوجَ مَعَهَا، لَمْ يُجْبَرْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ، غُرِّبَتْ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ.
وَالْقَوْلُ فِي أُجْرَةِ مَنْ يُسَافِرُ مَعَهَا مِنْهُنَّ، كَالْقَوْلِ فِي أُجْرَةِ الْمَحْرَمِ. فَإِنْ أَعْوَزَ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: تَبْقَى بِغَيْرِ مَحْرَمٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَأْخِيرِهِ، فَأَشْبَهَ سَفَرَ الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ إذَا مَاتَ مُحْرِمُهَا فِي الطَّرِيقِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ النَّفْيُ، إذَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا، كَمَا يَسْقُطُ سَفَرُ الْحَجِّ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ، فَإِنَّ تَغْرِيبَهَا إغْرَاءٌ لَهَا بِالْفُجُورِ، وَتَعْرِيضٌ لَهَا لِلْفِتْنَةِ، وَعُمُومُ الْحَدِيثِ مَخْصُوصٌ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
[فَصْلٌ حُضُور إقَامَة الْحَدّ]
(٧١٤٧) فَصْلٌ: وَيَجِبُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَدَّ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢] . قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالطَّائِفَةُ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا وَاحِدًا مَعَ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ حَاصِلٌ ضَرُورَةً، فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَإِسْحَاقُ: اثْنَانِ. فَإِنْ أَرَادَ بِهِ وَاحِدًا مَعَ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ، فَهُوَ مِثْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَرَادَ اثْنَيْنِ غَيْرَهُ، فَوَجْهُهُ أَنَّ الطَّائِفَةَ اسْمٌ لِمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِد، وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ جَمَاعَةٌ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ الْعَدَدُ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَى. وَلِلشَّافِعِيِّ، قَوْلَانِ، كَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: خَمْسَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: عَشَرَةٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: نَفَرٌ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ اسْمَ الطَّائِفَةِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩] . ثُمَّ قَالَ: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠] . وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} [التوبة: ٦٦] .: إنَّهُ مَخْشِيُّ بْنُ حِمْيَرٍ وَحْدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute