للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَخَاضٍ. فَقُلْت لَهُ: أَدِّ بِنْتَ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَتُك. فَقَالَ: ذَاكَ مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ، وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ، فَخُذْهَا. فَقُلْت: مَا أَنَا بِآخِذِ مَا لَمْ أُؤْمَرْ بِهِ، وَهَذَا رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْك قَرِيبٌ، فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَأْتِيَهُ فَتَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا عَرَضْت عَلَيَّ فَافْعَلْ، فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْك قَبِلْته، وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْك رَدَدْته. قَالَ: فَإِنِّي فَاعِلٌ. فَخَرَجَ مَعِي وَخَرَجَ بِالنَّاقَةِ الَّتِي عَرَضَ عَلَيَّ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتَانِي رَسُولُك لِيَأْخُذَ مِنِّي صَدَقَةَ مَالِي، وَأَيْمُ اللَّهِ، مَا قَامَ فِي مَالِي رَسُولُ اللَّهِ وَلَا رَسُولُهُ قَطُّ قَبْلَهُ، فَجَمَعْت لَهُ مَالِي، فَزَعَمَ أَنَّ مَا عَلَيَّ فِيهِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَذَاكَ مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ، وَقَدْ عَرَضْت عَلَيْهِ نَاقَةً فَتِيَّةً سَمِينَةً عَظِيمَةً لِيَأْخُذَهَا فَأَبَى، وَهَا هِيَ ذِهِ، قَدْ جِئْتُك بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُذْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَاكَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْك، فَإِنْ تَطَوَّعْت بِخَيْرٍ أَجْزَلَ اللَّهُ فِيهِ، وَقَبِلْنَاهُ مِنْك. فَقَالَ: فَهَا هِيَ ذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جِئْتُك بِهَا. قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَبْضِهَا، وَدَعَا لَهُ فِي مَالِهِ بِالْبَرَكَةِ.» وَهَكَذَا الْحُكْمُ إذَا أَخْرَجَ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ فِي الصِّفَةِ مِثْلُ أَنْ يُخْرِجَ السَّمِينَةَ مَكَانَ الْهَزِيلَةِ، وَالصَّحِيحَةَ مَكَانَ الْمَرِيضَةِ، وَالْكَرِيمَةَ مَكَانِ اللَّئِيمَةِ، وَالْحَامِلَ عَنْ الْحَوَائِلِ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَتُجْزِئُهُ، وَلَهُ أَجْرُ الزِّيَادَةِ.

[فَصْلُ يُخْرِجُ عَنْ مَاشِيَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا عَلَى صِفَتِهَا]

(١٦٩٩) فَصْلٌ: وَيُخْرِجُ عَنْ مَاشِيَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا عَلَى صِفَتِهَا، فَيُخْرِجُ عَنْ الْبَخَاتِيِّ بُخْتِيَّةً، وَعَنْ الْعِرَابِ عَرَبِيَّةً، وَعَنْ الْكِرَامِ كَرِيمَةً، وَعَنْ السِّمَانِ سَمِينَةً، وَعَنْ اللِّئَامِ وَالْهُزَالِ لَئِيمَةً هَزِيلَةً. فَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ الْبَخَاتِيِّ عَرَبِيَّةً بِقِيمَةِ الْبُخْتِيَّةِ، أَوْ أَخْرَجَ عَنْ السِّمَانِ هَزِيلَةً بِقِيمَةِ السَّمِينَةِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ هِيَ الْمَقْصُودُ. أَجَازَ هَذَا أَبُو بَكْرٍ وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ.

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفَارَقَ خِلَافَ الْجِنْسِ. فَإِنَّ الْجِنْسَ مَرْعِيٌّ فِي الزَّكَاةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ الْبَعِيرَ عَنْ الشَّاةِ لَمْ يَجُزْ، وَمَعَ الْجِنْسِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ.

[مَسْأَلَةُ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.]

(١٧٠٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا إذَا زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَتَعَدَّى الْفَرْضُ إلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَيَكُونُ فِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>