وَلِمَالِكٍ رِوَايَتَانِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ؛ بِدَلِيلِ سَائِرِ الْفُرُوضِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» . وَالْوَاحِدَةُ زِيَادَةٌ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ الصَّدَقَاتِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عِنْدَ الْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي أَحَادِيثِ الصَّدَقَاتِ. وَفِيهِ: «فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ» . وَفِي لَفْظٍ: «إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَأَخْرَجَ حَدِيثَ أَنَسٍ، مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ النَّضْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخَذْنَا هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ أَنَسٍ. وَفِيهِ: «فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» . وَلِأَنَّ سَائِرَ مَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَايَةً لِلْفَرْضِ، إذَا زَادَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ تَغَيَّرَ الْفَرْضُ، كَذَا هَذَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ. قُلْنَا: وَهَذَا مَا تَغَيَّرَ بِالْوَاحِدَةِ وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ بِهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا، فَأَشْبَهَتْ الْوَاحِدَةَ الزَّائِدَةَ عَنْ التِّسْعِينَ وَالسِّتِّينَ وَغَيْرَهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، اُسْتُؤْنِفَتْ الْفَرِيضَةُ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَيَكُونُ فِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، إلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ. وَتُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كِتَابًا، ذَكَرَ فِيهِ الصَّدَقَاتِ وَالدِّيَاتِ، وَذَكَرَ فِيهِ مِثْلَ هَذَا.
وَلَنَا، أَنَّ فِي حَدِيثَيْ الصَّدَقَاتِ الَّذِي كَتَبَهُ أَبُو بَكْرٍ لِأَنَسِ، وَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ مَذْهَبِنَا، وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ» . وَأَمَّا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِ، فَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي " سُنَنِهِ " مِثْلَ مَذْهَبِنَا.
وَالْأَخْذُ بِذَلِكَ أَوْلَى، لِمُوَافَقَتِهِ الْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ، وَمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ، فَإِنَّ الْمَالَ إذَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَجِبْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَسَائِرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ احْتَمَلَ الْمُوَاسَاةَ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَمْ يَجِبْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.
وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي الِابْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، لِأَنَّهُ مَا احْتَمَلَ الْمُوَاسَاةَ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَمْ يَجِبْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَعَدَلْنَا إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ ضَرُورَةً، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ، وَلِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ يَنْقُلُ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى حِقَّةٍ، بِزِيَادَةِ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ لَا تَقْتَضِي الِانْتِقَالَ إلَى حِقَّةٍ، فَإِنَّا لَمْ نَنْقُلْ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى حِقَّةٍ، إلَّا بِزِيَادَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَإِنَّ زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ بَعِيرٍ، لَمْ يَتَغَيَّرْ الْفَرْضُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute