[فَصْلٌ خَلَّفَ ذَا فَرَضَ لَا يَرِث الْمَال كُلّه]
(٤٧٣٣) فَصْلٌ: وَإِنْ خَلَّفَ ذَا فَرْضٍ، لَا يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ، كَبِنْتٍ، أَوْ أُمٍّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ سَعْدًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَتِي. فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ. وَلِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، فَأَشْبَهَتْ الْعَصَبَةَ. وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، أَوْ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْقُصُ حَقَّهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ فَرْضَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١]
فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِقَوْلِهِ: " وَلَا عَصَبَةَ لَهُ وَلَا مَوْلَى لَهُ ". وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ إرْثُهُ كَالْفَضْلَةِ وَالصِّلَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يُصْرَفُ إلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الرَّدِّ وَالْمَوْلَى، لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَنْفُذَ وَصِيَّتُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا، فَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّك أَنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»
وَلِأَنَّهُمْ وَرَثَةٌ يَسْتَحِقُّونَ مَالَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَصِلَتَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ، فَأَشْبَهُوا ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعُصُبَاتِ، وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ لَا يَمْنَعُ مُسَاوَاتَهُمْ لَهُمْ فِي مَسْأَلَتِنَا، كَذَوِي الْفُرُوضِ الَّذِينَ يَحْجُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْعُصُبَاتِ.
[فَصْل خَلَّفَ امْرَأَةً وَقَالَ أَوْصَيْت لَك بِمَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَنْ فَرْضِهَا]
(٤٧٣٤) فَصْلٌ: فَإِنْ خَلَّفَ ذَا فَرْضٍ لَا يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ، وَقَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثَيْ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ ذَا الْفَرْضِ شَيْئًا مِنْ فَرْضِهِ. أَوْ خَلَّفَ امْرَأَةً، وَقَالَ: أَوْصَيْت لَك بِمَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَنْ فَرْضِهَا. صَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ ذَا الْفَرْضِ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ، لَوْلَا الْوَصِيَّةُ، فَلَا فَرْقَ فِي الْوَصِيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الْفَرْضِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، فَتَنْبَنِي عَلَى الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، فَإِنْ قُلْنَا: تَصِحُّ ثَمَّ. صَحَّتْ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَنْ فَرْضِ الزَّوْجَةِ مَالٌ لَا وَارِثَ لَهُ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ ثَمَّ. فَهَاهُنَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ جُعِلَ كَالْوَارِثِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ ذُو وَرَثَةٍ يَسْتَغْرِقُونَ الْمَالَ إذَا عَيَّنَ الْوَصِيَّةَ مِنْ نَصِيبِ الْعَصَبَةِ مِنْهُمْ، فَعَلَى هَذَا يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَيَسْقُطُ تَخْصِيصُهُ.
[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ]
(٤٧٣٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ، وَمَا فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ مَالِهِ، كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ سُدُسٍ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، عَتَقَ، وَاسْتَحَقَّ بَاقِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، سَعَى فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute