كَانَ فِي الْمَنْطُوقِ بِهِ غَرَضٌ مُخْتَصٌّ بِهِ لَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ، وَلَا ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي غَيْرِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي نَحْوَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
[فَصْل وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ بِثَمَنِ نَقْدًا فَاشْتَرَاهُ نَسِيئَةً بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ النَّقْدِ]
(٣٧٩٤) فَصْلٌ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ بِثَمَنِ نَقْدًا، فَاشْتَرَاهُ نَسِيئَةً بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ النَّقْدِ، لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ. وَإِنْ اشْتَرَاهُ نَسِيئَةً بِثَمَنِهِ نَقْدًا، أَوْ بِمَا عَيَّنَهُ لَهُ، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَيَصِحُّ لِلْمُوَكِّلِ فِي قَوْلِ الْقَاضِي. وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، نَحْوُ أَنْ يُسْتَضَرَّ بِبَقَاءِ الثَّمَنِ مَعَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ، كَقَوْلِنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيّ فِي صِحَّةِ الشِّرَاءِ وَجْهَانِ.
[فَصْلٌ لَا يَبِيع الْوَكِيل بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ]
(٣٧٩٥) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ دُونَ مَا قَدَّرَهُ لَهُ، وَلَا يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَ لَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ فِي الْبَيْعِ، فَلَهُ الْبَيْعُ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ فِي الْإِذْنِ مُطْلَقٌ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَوْكِيلٌ مُطْلَقٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَاقْتَضَى ثَمَنَ الْمِثْلِ، كَالشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ وَافَقَ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ يَنْتَقِضُ بِالشِّرَاءِ.
فَإِنْ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بَاعَ بِدُونِ مَا قَدَّرَهُ لَهُ، أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ دُونَ الشِّرَاءِ، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ النَّقْصَ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، صَحَّ بِدُونِهِ كَالْمَرِيضِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَعَلَى الْوَكِيلِ ضَمَانُ النَّقْصِ، وَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، مَا بَيْنَ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَمَا بَاعَهُ بِهِ.
وَالثَّانِي، مَا بَيْنَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ، وَمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ، لِأَنَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لِلْوَكِيلِ فِي هَذَا الْبَيْعِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ. وَكُلُّ تَصَرُّفٍ كَانَ الْوَكِيلُ مُخَالِفًا فِيهِ لِمُوَكِّلِهِ، فَحُكْمُهُ فِيهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ الْأَجْنَبِيِّ، عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ عَادَةً، فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُوَكِّلُ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ يُعَدُّ ثَمَنَ الْمِثْلِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. وَلَوْ حَضَرَ مِنْ يَزِيدُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ وَطَلَبَ الْحَظِّ لِمُوَكِّلِهِ.
وَإِنْ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَحَضَرَ مَنْ يَزِيدُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، لَمْ يَلْزَمْهُ فَسْخُ الْعَقْدِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute