فِي الشَّاةِ تُوجَدُ فِي الصَّحْرَاءِ: اذْبَحْهَا، وَكُلْهَا. وَفِي الْمِصْرِ: ضُمَّهَا حَتَّى يَجِدَهَا صَاحِبُهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» . وَالذِّئْبُ لَا يَكُونُ فِي الْمِصْرِ
وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " خُذْهَا ". وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلَوْ افْتَرَقَ الْحَالُ لَسَأَلَ وَاسْتَفْصَلَ، وَلِأَنَّهَا لُقَطَةٌ، فَاسْتَوَى فِيهَا الْمِصْرُ وَالصَّحْرَاءُ، كَسَائِرِ اللُّقَطَاتِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الذِّئْبَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الصَّحْرَاءِ. قُلْنَا: كَوْنُهَا لِلذِّئْبِ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا لِغَيْرِهِ فِي الْمِصْرِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ مَتَى عَرَّفَهَا حَوْلًا كَامِلًا، مَلَكَهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا. وَلَعَلَّهَا الرِّوَايَةُ الَّتِي مَنَعَ مِنْ الْتِقَاطِهَا فِيهَا. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ» ، فَأَضَافَهَا إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ، وَلِأَنَّهَا يُبَاحُ الْتِقَاطُهَا، فَمُلِكَتْ بِالتَّعْرِيفِ، كَالْأَثْمَانِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعٌ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
[فَصْلٌ يَتَخَيَّرُ مُلْتَقِطُ ضَالَّةِ الْغَنَمِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ]
(٤٥٤٣) فَصْلٌ: وَيَتَخَيَّرُ مُلْتَقِطُهَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ أَكْلُهَا فِي الْحَالِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ، فِي الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ عَلَيْهَا، لَهُ أَكْلُهَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» . فَجَعَلَهَا لَهُ فِي الْحَالِ، وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لَا يَسْتَأْنِي بِأَكْلِهَا، وَلِأَنَّ فِي أَكْلِهَا فِي الْحَالِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهَا عَلَى صَاحِبِهَا إذَا جَاءَ.
فَإِنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا بِكَمَالِهَا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، وَفِي إبْقَائِهَا تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَالْغَرَامَةِ فِي عَلَفِهَا، فَكَانَ أَكْلُهَا أَوْلَى. وَمَتَى أَرَادَ أَكْلَهَا حَفِظَ صِفَتَهَا، فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا غَرِمَهَا لَهُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا مَالِكًا، فَإِنَّهُ قَالَ: كُلْهَا، وَلَا غُرْمَ عَلَيْك لِصَاحِبِهَا وَلَا تَعْرِيفَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هِيَ لَك ". وَلَمْ يُوجِبْ فِيهَا تَعْرِيفًا وَلَا غُرْمًا، وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لَا يُعَرِّفُ وَلَا يَغْرَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُوَافِقْ مَالِكًا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِهِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «رُدَّ عَلَى أَخِيك ضَالَّتَهُ»
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَلِأَنَّهَا لُقَطَةٌ لَهَا قِيمَةٌ، وَتَتْبَعُهَا النَّفْسُ، فَتَجِبُ غَرَامَتُهَا لِصَاحِبِهَا إذَا جَاءَ كَغَيْرِهَا، وَلِأَنَّهَا مِلْكٌ لِصَاحِبِهَا، فَلَمْ يَجُزْ تَمَلُّكُهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ الْبُنْيَانِ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ يَجِبُ رَدُّهَا مَعَ بَقَائِهَا، فَوَجَبَ غُرْمُهَا إذَا أَتْلَفَهَا، كَلُقَطَةِ الذَّهَبِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هِيَ لَك ". لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ غَرَامَتِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ فِي لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا، فِي أَكْلِهَا وَإِنْفَاقِهَا، وَقَالَ: " هِيَ كَسَائِرِ مَالِك ". ثُمَّ أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِ غَرَامَتِهَا، كَذَلِكَ الشَّاةُ، وَلَا فَرْقَ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهَا بَيْنَ وِجْدَانِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute