للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمِصْرِ

وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ بَيْعُهَا، بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ. وَلَنَا أَنَّ مَا جَازَ أَكْلُهُ فِي الصَّحْرَاءِ، أُبِيحَ فِي الْمِصْرِ، كَسَائِرِ الْمَأْكُولَاتِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " هِيَ لَك ". وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلِأَنَّ أَكْلَهَا مُعَلَّلٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَهَذَا فِي الْمِصْرِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الصَّحْرَاءِ.

الثَّانِي، أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَتَمَلَّكهَا. وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُحْتَسِبًا بِالنَّفَقَةِ عَلَى مَالِكِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّفَقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا يَرْجِعُ بِهِ

نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، فِي طِيَرَةٍ أَفْرَخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ، فَقَضَى أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الطِّيَرَةِ، وَيَرْجِعُ بِالْعَلَفِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا. وَقَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَنْ وَجَدَ ضَالَّةً، فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَجَاءَ رَبُّهَا، بِأَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ مَا أَنْفَقَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَةِ لِحِفْظِهَا، فَكَانَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهَا، كَمُؤْنَةِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَلَمْ يُعْجِبْ الشَّعْبِيَّ قَضَاءُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ.

كَمَا لَوْ بَنِي دَارِهِ، وَيُفَارِقُ الْعِنَبَ وَالرُّطَبَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ تَجْفِيفُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَحْظَ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَتَكَرَّرُ، وَالْحَيَوَانُ يَتَكَرَّرُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، فَرُبَّمَا اسْتَغْرَقَ قِيمَتَهُ، فَكَانَ بَيْعُهُ أَوْ أَكْلُهُ أَحْظَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَسِبْ الْمُنْفِقُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ. الثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَبِيعُهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.

وَلَنَا أَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا بِغَيْرِ إذْنٍ، فَبَيْعُهَا أَوْلَى. وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا لَهَا تَعْرِيفًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ؛ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» . وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَعْرِيفِهَا، كَمَا أَمَرَ فِي لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. وَلَنَا أَنَّهَا لُقَطَةٌ لَهَا خَطَرٌ، فَوَجَبَ تَعْرِيفُهَا، كَالْمَطْعُومِ الْكَثِيرِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَ تَعْرِيفِهَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا بَعْدَ بَيَانِهِ التَّعْرِيفَ فِيمَا سِوَاهَا، فَاسْتُغْنِيَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ فِيهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهَا فِي الْحَوْلِ سُقُوطُ التَّعْرِيفِ، كَالْمَطْعُومِ.

(٤٥٤٤) فَصْلٌ: إذَا أَكَلَهَا ثَبَتَتْ قِيمَتُهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَزْلُهَا؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْمَالِ الْمَعْزُولِ. وَلَوْ عَزَلَ شَيْئًا ثُمَّ أَفْلَسَ، كَانَ صَاحِبُ اللَّقَطِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِالْمَالِ الْمَعْزُولِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>