للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقْدٌ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ، فَيَثْبُتُ الْمُسَمَّى فِي فَاسِدِهِ، كَالنِّكَاحِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.

قَالَهُ الْقَاضِي وَكَلَامُ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي تَصْحِيحِ الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ كَوْنُ رِبْحِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ، وَإِنَّمَا تُرِك ذَلِكَ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ صَحِيحًا، بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَنْقُلْ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَنْ مَالِهِ.

[فَصْلٌ شَرِكَةُ الْعِنَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ]

(٣٦٣٦) فَصْلٌ: وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى صَاحِبِهِ أَمَنَةً، وَبِإِذْنِهِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَكَّلَهُ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ، تَصَرَّفَ فِيهَا، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ جِنْسًا أَوْ نَوْعًا أَوْ بَلَدًا، تَصَرَّفَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، كَالْوَكِيلِ.

وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مُسَاوَمَةً وَمُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَمُوَاضَعَةً، وَكَيْفَ رَأَى الْمَصْلَحَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ. وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ، وَيَقْبِضَهُمَا، وَيُخَاصِمَ فِي الدِّينِ، وَيُطَالِبَ بِهِ، وَيُحِيلَ، وَيَحْتَالَ، وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا وَلِيَهُ هُوَ، وَفِيمَا وَلِيَ صَاحِبِهِ. وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ وَيُؤْجَرُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْأَعْيَانِ، فَصَارَ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِالْأَجْرِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَخْتَصُّ الْعَاقِدَ.

(٣٦٣٧) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّقِيقَ، وَلَا يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا يُزَوِّجَ الرَّقِيقَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى التِّجَارَةِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ تِجَارَةً، سِيَّمَا تَزْوِيجُ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ مَحْضُ ضَرَرٍ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ وَلَا يُحَابِيَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. وَلَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ، وَلَا يَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ فِي الْمَالِ حُقُوقًا، وَيُسْتَحَقُّ رِبْحُهُ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.

وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الشَّرِكَةِ بِمَالِهِ، وَلَا مَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ حُقُوقٍ فِي الْمَالِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا. وَلَا يَأْخُذُ بِالْمَالِ سَفْتَجَةً؛ وَلَا يُعْطِي بِهِ سَفْتَجَةً؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خَطَرًا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، فِي مَنْ اسْتَدَانَ فِي الْمَالِ بِوَجْهِهِ أَلْفًا: فَهُوَ لَهُ، وَرِبْحُهُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا اسْتَقْرَضَ شَيْئًا، لَزِمَهُمَا، وَرِبْحُهُ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالِ، فَهُوَ كَالصَّرْفِ. وَنَصُّ أَحْمَدَ يُخَالِفُ هَذَا. وَلِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الشَّرِكَةِ أَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ ضَمَّ إلَيْهَا أَلْفًا مِنْ مَالِهِ. وَيُفَارِقُ الصَّرْفَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِبْدَالُ عَيْنٍ بِعَيْنٍ، فَهُوَ كَبَيْعِ الثِّيَابِ بِالدَّرَاهِمِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِرَّ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَ فِي حَقِّهِ دُونَ صَاحِبِهِ، سَوَاءٌ أَقَرَّ بِعَيْنِ أَوْ دَيْنٍ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>