وَلَنَا، أَنَّهُ إذْنٌ مِنْ الْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ، وَلَا إلَى إشْهَادٍ، كَإِذْنِ الْحَاكِمِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ بِوَكِيلٍ لِلْمَرْأَةِ، وَهَذَا التَّوْكِيلُ لَا يَمْلِكُ بِهِ الْبُضْعَ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى إشْهَادٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ بِالتَّسَرِّي.
[فَصْلٌ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مَا يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ فِي النِّكَاح]
(٥١٦٧) فَصْلٌ: وَيَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مَا يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ. وَإِنْ كَانَ لِلْوَلِيِّ الْإِجْبَارُ ثَبَتَ ذَلِكَ لِوَكِيلِهِ. وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ وِلَايَةَ مُرَاجَعَةٍ، احْتَاجَ الْوَكِيلُ إلَى إذْنِهَا وَمُرَاجَعَتِهَا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فَيَثْبُتُ لَهُ مِثْلُ مَا ثَبَتَ لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي السُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ يَأْذَنُ لِغَيْرِهِ فِي التَّزْوِيجِ، فَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ قَائِمًا مَقَامَهُ.
[فَصْلٌ هَلْ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ]
(٥١٦٨) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَلْ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ؟ فَرُوِيَ أَنَّهَا تُسْتَفَادُ بِهَا. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ: أَوْ وَصَّى نَاظِرًا لَهُ فِي التَّزْوِيجِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَالِكٍ وَعَنْهُ لَا تُسْتَفَادُ بِالْوَصِيَّةِ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ شَرْعًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوصِيَ بِهَا كَالْحَضَانَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْوَصِيِّ فِي تَضْيِيعِهَا وَوَضْعِهَا عِنْدَ مَنْ لَا يُكَافِئُهَا، فَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْوِلَايَةُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلِأَنَّهَا وِلَايَةُ نِكَاحٍ، فَلَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ بِهَا، كَوِلَايَةِ الْحَاكِمِ
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ، لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ بِنِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ حَقَّهُمْ بِوَصِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ، جَازَ لِعَدَمِ ذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّهَا وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ لِلْأَبِ، فَجَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِهَا، كَوِلَايَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا فِي حَيَاتِهِ، فَيَكُونَ نَائِبُهُ قَائِمًا مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا، كَوِلَايَةِ الْمَالِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِوِلَايَةِ الْمَالِ. فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ وَصِيًّا فِي النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ إلَيْهِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا إحْدَى الْوِلَايَتَيْنِ، فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِالْوَصِيَّةِ إلَيْهِ فِي الْمَالِ، كَالْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى، قِيَاسًا عَلَى وَصِيَّةِ الْمَالِ لَا تُمْلَكُ بِالْوَصِيَّةِ فِي النِّكَاحِ.
[فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ بِالنِّكَاحِ مِنْ كُلِّ ذِي وِلَايَةٍ]
(٥١٦٩) فَصْلٌ: فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالنِّكَاحِ مِنْ كُلِّ ذِي وِلَايَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُجْبِرًا كَالْأَبِ، أَوْ غَيْرَ مُجْبِرٍ كَغَيْرِهِ، وَوَصِيُّ كُلِّ وَلِيٍّ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَهُ الْإِجْبَارُ فَكَذَلِكَ لِوَصِيِّهِ. وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا فَوَصِيُّهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَهُوَ كَالْوَكِيلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ عَيَّنَ الْأَبُ الزَّوْجَ، مَلَكَ الْوَصِيُّ إجْبَارَهَا، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الزَّوْجَ، وَكَانَتْ ابْنَتُهُ كَبِيرَةً، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَاعْتُبِرَ إذْنُهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، انْتَظَرْنَا بُلُوغَهَا، فَإِذَا أَذِنَتْ، جَازَ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute