للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهَا قَالَتْ: طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ. وَهَذَا هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَلَمْ تَذْكُرْ طَوَافًا آخَرَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَتْهُ طَوَافَ الْقُدُومِ، لَكَانَتْ قَدْ أَخَلَّتْ بِذِكْرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ، لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ، وَذَكَرَتْ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَا ذَكَرَتْ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، فَمِنْ أَيْنَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى طَوَافَيْنِ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَمَّا حَاضَتْ، فَقَرَنَتْ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ، بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ لِلْقُدُومِ لَمْ تَطُفْ لِلْقُدُومِ، وَلَا أَمَرَهَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فِي الْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ، أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ، وَكَانَتْ قَارِنَةً، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ طَوَافِ الْقُدُومِ. وَلِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِالطَّوَافِ الْوَاجِبِ، لَشُرِعَ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ طَوَافٌ لِلْقُدُومِ مَعَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ قُدُومِهِ إلَى الْبَيْتِ، فَهُوَ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْمُتَمَتِّعِ، الَّذِي يَعُودُ إلَى الْبَيْتِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَطَوَافِهِ بِهِ، وَفِي الْجُمْلَةِ إنَّ هَذَا الطَّوَافَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّع كَهُوَ فِي حَقِّ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ، فِي أَنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ، لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ بِالنِّيَّةِ، فَلَوْ نَوَى بِهِ طَوَافَ الْوَدَاعِ أَوْ غَيْرَهُ، لَمْ يُجْزِهِ.

[فَصْل الْأَطْوِفَةُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الْحَجِّ]

(٢٥٥٩) فَصْلٌ: وَالْأَطْوِفَةُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ رُكْنُ الْحَجِّ، لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَطَوَافُ الْقُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةٌ، لَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ. وَطَوَافُ الْوَدَاعِ، وَاجِبٌ، يَنُوبُ عَنْهُ الدَّمُ إذَا تَرَكَهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَالثَّوْرِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى تَارِكِ طَوَافِ الْقُدُومِ دَمٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَكَقَوْلِهِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ. وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ فَهُوَ نَفْلٌ، وَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ أَكْثَرُ مِنْ سَعْيٍ وَاحِدٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ.

قَالَ جَابِرٌ: لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابُهُ، بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الْأَوَّلَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَا يَكُونُ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ، فَإِنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ، لَمْ يَسْعَ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْعَ مَعَهُ، سَعَى مَعَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ.

[فَصْل يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ فَيُكَبِّرَ فِي نَوَاحِيه وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ]

(٢٥٦٠) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ فَيُكَبِّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَدْعُوَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ، وَبِلَالٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>