للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوَعَّدَ عَلَى تَرْكِ الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَقَدْ قُلْتُمْ: تَجِبُ الْأُجْرَةُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَوَعَّدَهُ عَلَى تَرْكِ الْإِيفَاءِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ فِيهِ عَادَةً. جَوَابٌ آخَرُ، أَنَّ الْآيَةَ وَالْأَخْبَارَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ، فَأَمَّا مَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ فِيهِ عَلَى مُدَّةٍ، فَلَا تَعَرُّضَ لَهَا بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ، فَإِنَّ الْأَجْرَ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُهُ إلَّا عِنْدَ تَسْلِيمِ الْعَمَلِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ عِنْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ فِي كُلّ يَوْمٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَلَهُ أَجْرُ كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ تَمَامِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْأَجْرُ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ، وَيُسْتَحَقُّ بِالتَّسْلِيمِ، وَيَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ اسْتِحْقَاقُ تَسْلِيمِهِ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ، فَلَا يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُهُ إلَّا مَعَ تَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ، كَالصَّدَاقِ وَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ، وَفَارَقَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا جَرَى مَجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِهَا، وَمَتَى كَانَ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ، لَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَتَوَقَّفَ اسْتِحْقَاقُ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ

وَقَوْلُهُمْ: لَمْ يَمْلِكْ الْمَنَافِعَ. قَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلِ: فَإِنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا قَبَضَ الْأَجْرَ، انْتَفَعَ بِهِ كُلِّهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ كُلِّهَا. قُلْنَا: لَا يَمْتَنِعُ هَذَا، كَمَا لَوْ شَرَطَا التَّعْجِيلَ، أَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا.

[فَصْلٌ إذَا شَرَطَ تَأْجِيلَ الْأَجْرِ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ]

(٤١٦٧) فَصْلٌ: الْحُكْمُ السَّادِسُ، أَنَّهُ إذَا شَرَطَ تَأْجِيلَ الْأَجْرِ، فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ، وَإِنْ شَرَطَهُ مُنَجَّمًا يَوْمًا يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا شَهْرًا، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، فَهُوَ عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْعَيْنِ كَبَيْعِهَا، وَبَيْعُهَا يَصِحُّ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ، فَكَذَلِكَ إجَارَتُهَا.

[فَصْلٌ إذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ]

(٤١٦٨) فَصْلٌ: وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ، اسْتَقَرَّ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْبَدَلُ، كَمَا لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ. وَإِنْ سُلِّمَتْ إلَيْهِ الْعَيْنُ الَّتِي وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا، وَمَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَا حَاجِزَ لَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ، اسْتَقَرَّ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ، وَهِيَ حَقُّهُ، فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بَدَلُهَا، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ، فَتَسَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا، مِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى حِمْصَ، فَقَبَضَهَا، وَمَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ رُكُوبُهَا فِيهَا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَجْرُ

وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ فَمَضَتْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَسْتَقِرُّ الْأَجْرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مُؤَقَّتَةٍ بِزَمَنٍ، فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>