حِينَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، كَأُمِّ الْوَلَدِ. وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ هُوَ وَالْوَصِيَّةُ جَمِيعًا، قُدِّمَ عِتْقُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ بَعْضُهُ، وَيَمْلِكُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَصَّى لِعَبْدِهِ وَصِيَّةً صَحِيحَةً، فَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَالِ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ بِمُشَاعٍ مِنْ مَالِهِ.
[فَصْلٌ أَوْصَى لِعَبْدِ غَيْرِهِ]
(٤٧٣٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِ غَيْرِهِ، صَحَّ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ، وَالْقَبُولُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُضَافٌ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا، فَإِذَا قَبِلَ ثَبَتَ لِسَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ، وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَلَا تَفْتَقِرُ فِي الْقَبُولِ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، كَالِاحْتِطَابِ. وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيِّ. وَلِأَصْحَابِهِ وَجْهٌ أُخَرُ، أَنَّ الْقَبُولَ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ الْعَبْدِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَحْصِيلُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى إذْنِهِ، كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَتَحْصِيلِ الْمُبَاحِ. وَإِنْ وَصَّى لِعَبْدِ وَارِثِهِ، فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ لِوَارِثِهِ، يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ يَسِيرًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ، وَإِنَّمَا لِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ، فَإِذَا وَصَّى لَهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْعَبْدَ، دُونَ سَيِّدِهِ. وَلَنَا، أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِعَبْدِ وَارِثِهِ، فَأَشْبَهَتْ الْوَصِيَّةَ بِالْكَثِيرِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مِلْكِ الْعَبْدِ مَمْنُوعٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُ مَعَ هَذَا الْقَصْدِ يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ، فَهُوَ كَالْكَثِيرِ.
[فَصْلٌ أَوْصَى بِعِتْقِ أُمَّته عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَتْ لَا أَتَزَوَّجُ]
(٤٧٤٠) فَصْلٌ: وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى، أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ. ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَتْ: لَا أَتَزَوَّجُ عَتَقَتْ. فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ. وَإِنْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِأَلْفٍ، عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ، أَوْ عَلَى أَنْ تَثْبُتَ مَعَ وَلَدِهِ، فَفَعَلَتْ وَأَخَذَتْ الْأَلْفَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَتَرَكَتْ وَلَدَهُ، فَفِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تَبْطُلُ وَصِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الشَّرْطُ، فَفَاتَتْ الْوَصِيَّةُ، وَفَارَقَ الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ. وَالثَّانِي، لَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهَا صَحَّتْ، فَلَمْ تَبْطُلْ بِمُخَالَفَةِ مَا شُرِطَ عَلَيْهَا كَالْأُولَى.
[فَصْلٌ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ]
(٤٧٤١) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute