فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي الْحَالِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا يَزُولُ الْمَانِعُ غَالِبًا. وَإِنْ كَانَ يَنْحَسِرُ عَنْهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَى الزِّرَاعَةِ، كَأَرْضِ مِصْرَ فِي وَقْتِ مَدِّ النِّيلِ، صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَحَقِّقٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ الزِّرَاعَةُ فِيهَا مُمْكِنَةً، وَيُخَافُ غَرَقُهَا، وَالْعَادَةُ غَرَقُهَا، لَمْ يَجُزْ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْغَارِقَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ.
[فَصْلٌ غَرِقَ الزَّرْعُ أَوْ هَلَكَ بِحَرِيقِ أَوْ جَرَادٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ]
(٤٢٢٨) فَصْلٌ: وَمَتَى غَرِقَ الزَّرْعُ أَوْ هَلَكَ، بِحَرِيقٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَلِفَ مَالُ الْمُكْتَرِي فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَنْ اشْتَرَى دُكَّانًا فَاحْتَرَقَ مَتَاعُهُ فِيهِ. ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ الْمُكْتَرِي الِانْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ بِغَيْرِ الزَّرْعِ، أَوْ بِالزَّرْعِ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ، فَالْأَجْرُ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَهُ لِفَوَاتِ وَقْتِ الزِّرَاعَةِ بِسَبَبٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، لَا لِمَعْنًى فِي الْعَيْنِ
وَإِنْ تَعَذَّرَ الزَّرْعُ بِسَبَبِ غَرَقِ الْأَرْضِ، أَوْ انْقِطَاعِ مَائِهَا، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لِمَعْنًى فِي الْعَيْنِ. وَإِنْ تَلِفَ الزَّرْعُ بِذَلِكَ، فَلَيْسَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا بِسَبَبٍ. وَإِنْ قَلَّ الْمَاءُ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي الزَّرْعَ، فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّرْعِ، فَلَهُ الْفَسْخُ أَيْضًا، وَيَبْقَى الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِحِصَّتِهِ إلَى حِينِ الْفَسْخِ، وَأَجْرِ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ لَأَرْضٍ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ
وَكَذَلِكَ إنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ مِنْ غَرَقٍ يُهْلِكُ بَعْضَ الزَّرْعِ، أَوْ يَسُوءُ حَالُهُ بِهِ.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةً فَانْقَضَتْ وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْلُغْ حَصَادَهُ]
(٤٢٢٩) فَصْلٌ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةً، فَانْقَضَتْ، وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْلُغْ حَصَادُهُ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِتَفْرِيطٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، مِثْلَ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِكَمَالِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعِ الْغَاصِبِ، يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَعْدَ الْمُدَّةِ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ، أَوْ تَرْكِهِ بِالْأَجْرِ لِمَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعُدْوَانِهِ
وَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَأْجِرُ قَطْعَ زَرْعِهِ فِي الْحَالِ، وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الضَّرَرَ، وَيُسَلِّمُ الْأَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ نَقْلَ الزَّرْعِ وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِهِ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، جَازَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي الْغَاصِبِ. وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا مَا ذَكَرْنَاهُ.
الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، مِثْلِ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا يَنْتَهِي فِي الْمُدَّةِ عَادَةً، فَأَبْطَأَ لِبَرْدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute