رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ عَامِلِهِ عَلَى فِلَسْطِينَ، فِي مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَرْضٌ يَحْرُثهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَنْ يَقْبِضَ مِنْهَا جِزْيَتَهَا، ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهَا زَكَاةَ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْجِزْيَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: أَنَا اُبْتُلِيت بِذَلِكَ، وَمِنِّي أَخَذُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَرَاجَ مِنْ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ، فَيُمْنَعُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي قَدْرِهِ، كَمَا قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ اسْتَدَانَ مَا أَنْفَقَ عَلَى زَرْعِهِ، وَاسْتَدَانَ مَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ، احْتَسَبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى زَرْعِهِ دُونَ مَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ. لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ الزَّرْعِ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَحْتَسِبُ بِالدَّيْنَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يُخْرِجُ مِمَّا بَعْدَهُمَا. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الدَّيْنَ كُلَّهُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْسِبُ كُلَّ دَيْنٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُخْرِجُ الْعُشْرَ مِمَّا بَقِيَ إنَّ بَلَغَ نِصَابًا.
وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا فَلَا عُشْرَ فِيهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ زَكَاةٌ، فَمَنَعَ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا، كَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ، فَمَنَعَ وُجُوبَ الْعُشْرِ، كَالْخَرَاجِ، وَمَا أَنْفَقَهُ عَلَى زَرْعِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مُؤْنَةِ الزَّرْعِ، فَالْحَاصِلُ فِي مُقَابَلَتِهِ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ.
[فَصْلُ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا فَمَا حُكْم زَكَاتهَا]
(١٨٧٠) فَصْلٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، فَالْعُشْرُ عَلَيْهِ دُونَ مَالِكِ الْأَرْضِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشَرِيكٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَلَى مَالِك الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا، فَأَشْبَهَ الْخَرَاجَ.
وَلَنَا، أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الزَّرْعِ، فَكَانَ عَلَى مَالِكِهِ، كَزَكَاةِ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا أَعَدَّهُ لِلتِّجَارَةِ، وَكَعُشْرِ زَرْعِهِ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ مُؤْنَتِهَا لَوَجَبَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تُزْرَعْ، كَالْخَرَاجِ، وَلَوَجَبَ عَلَى الذِّمِّيِّ كَالْخَرَاجِ، وَلْتُقَدَّرْ بِقَدْرِ الْأَرْضِ لَا بِقَدْرِ الزَّرْعِ، وَلَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى مَصَارِفِ الْفَيْءِ دُونَ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ. وَلَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، فَالزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ.
وَإِنْ غَصَبَهَا فَزَرَعَهَا وَأَخَذَ الزَّرْعَ، فَالْعُشْرُ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى مِلْكِهِ. وَإِنْ أَخَذَهُ مَالِكُهَا قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ، فَالْعُشْرُ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، احْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ إيَّاهُ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَكَاتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لَهُ حِينَ وُجُوبِ عُشْرِهِ، وَهُوَ حِينَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ. وَإِنْ زَارَعَ رَجُلًا مُزَارِعَةً فَاسِدَةً، فَالْعُشْرُ عَلَى مَنْ يَجِبُ الزَّرْعُ لَهُ.
وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُشْرُ حِصَّتِهِ. وَإِنْ بَلَغَتْ خَمْسَةَ أَوَسْقً، أَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ مَا يَبْلُغُ بِضَمِّهِ إلَيْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِلَّا فَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ. وَإِنْ بَلَغَتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ النِّصَابَ، فَعَلَى مَنْ بَلَغَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute