للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِهَذَا، أَوْ تَطَوَّعْ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ مُخَالِطًا لَهُ رَجَعَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ مُخَالِطَهُ بِالنَّقْدِ عَنْهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ ضَمِنَ وَدَفَعَ بِأَمْرِهِ، فَأَشْبَهَ إذَا كَانَ مُخَالِطًا لَهُ، أَوْ قَالَ: اضْمَنْ عَنِّي.

وَمَا ذَكَرَاهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَا هُوَ عَلَيْهِ، وَأَمْرُهُ بِالنَّقْدِ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا ضَمِنَهُ، بِدَلِيلِ الْمُخَالِطِ لَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ مَا أَدَّى عَنْهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ. الْحَالُ الثَّانِي، ضَمِنَ بِأَمْرِهِ، وَقَضَى بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ عَنْهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ. الثَّالِثُ، أَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَدَفَعَ مَا عَلَيْهِ، رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالدَّفْعِ. وَلَنَا، أَنَّهُ إذَا أَذِنَ فِي الضَّمَانِ، تَضَمَّنَ ذَلِكَ إذْنَهُ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءَ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي الْأَدَاءِ صَرِيحًا. الْحَالُ الثَّالِثُ، ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَقَضَى بِأَمْرِهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ

الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْقَضَاءِ انْصَرَفَ إلَى مَا وَجَبَ بِضَمَانِهِ. وَلَنَا: أَنَّهُ أَدَّى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا، أَوْ كَمَا لَوْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ إذْنَهُ فِي الْقَضَاءِ انْصَرَفَ إلَى مَا وَجَبَ بِضَمَانِهِ.

قُلْنَا: الْوَاجِبُ بِضَمَانِهِ إنَّمَا هُوَ أَدَاءُ دَيْنِهِ، وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا آخَرَ، فَمَتَى أَدَّاهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ لَزِمَهُ إعْطَاؤُهُ بَدَلَهُ. الْحَالُ الرَّابِعُ، ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَقَضَى بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَرْجِعُ بِشَيْءِ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ، فَإِنَّهُمَا لَوْ كَانَا يَسْتَحِقَّانِ الرُّجُوعَ عَلَى الْمَيِّتِ، صَارَ الدَّيْنُ لَهُمَا، فَكَانَتْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ مَشْغُولَةً بِدَيْنِهِمَا، كَاشْتِغَالِهَا بِدَيْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَفَ دَوَابَّهُ وَأَطْعَمَ عَبِيدَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وَوَجْهُ الْأُولَى، أَنَّهُ قَضَاءٌ مُبْرِئٌ مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَالْحَاكِمِ إذَا قَضَاهُ عَنْهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ.

فَأَمَّا عَلِيٌّ وَأَبُو قَتَادَةَ، فَإِنَّهُمَا تَبَرَّعَا بِالْقَضَاءِ وَالضَّمَانِ، فَإِنَّهُمَا قَضَيَا دَيْنَهُ قَصْدًا لِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ، لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عِلْمِهِمَا بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُحْتَسِبِ بِالرُّجُوعِ.

[فَصْلٌ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا قَضَى أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ]

(٣٥٨٤) فَصْلٌ: وَيَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا قَضَى أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَقَلُّ الدَّيْنَ، فَالزَّائِدُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ أَقَلَّ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>