بَعْدَ ذَلِكَ وَلَدٌ فَمَشَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، إلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، فَقَالَا: إنَّ سَعْدًا قَسَّمَ مَالَهُ، وَلَمْ يَدْرِ مَا يَكُونُ، وَإِنَّا نَرَى أَنْ تَرُدَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ. فَقَالَ قَيْسٌ: لَمْ أَكُنْ لِأُغَيِّرَ شَيْئًا صَنَعَهُ سَعْدٌ، وَلَكِنْ نَصِيبِي لَهُ. وَهَذَا مَعْنَى الْخَبَرِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لِعَائِشَةَ، لَمَّا نَحَلَهَا نِحَلًا: وَدِدْت لَوْ أَنَّك كُنْت حُزْتِيهِ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَازَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ: لَا نِحْلَةَ إلَّا نِحْلَةً يَحُوزُهَا الْوَلَدُ دُونَ الْوَالِدِ
وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِوَلَدِهِ فَلَزِمَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. وَقَوْلُهُ: " إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَطِيَّتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ لَا تَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْعَطَايَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، فِي أَنَّهَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ إجْمَاعًا، فَكَذَلِكَ لَا تَنْفُذُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ حُكْمَ الْهِبَاتِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ الْوَاهِبُ، حُكْمُ الْوَصَايَا، هَذَا مَذْهَبُ الْمَدِينِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْكُوفِيِّ
فَإِنْ أَعْطَى أَحَدَ بَنِيهِ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ أَعْطَى الْآخَرَ فِي مَرَضِهِ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِيهِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ زَوَّجَ ابْنَهُ، فَأَعْطَى عَنْهُ الصَّدَاقَ، ثُمَّ مَرِضَ الْأَبُ، وَلَهُ ابْنٌ آخَرَ، هَلْ يُعْطِيه فِي مَرَضِهِ كَمَا أَعْطَى الْآخَرَ فِي صِحَّتِهِ؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ أَعْطَاهُ فِي صِحَّتِهِ، فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَطِيَّتَهُ فِي مَرَضِهِ كَوَصِيَّتِهِ، وَلَوْ وَصَّى لَهُ لَمْ يَصِحَّ، فَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَاهُ. وَالثَّانِي يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةٌ، وَلَا طَرِيقَ لَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا بِعَطِيَّةِ الْآخَرِ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً، فَتَصِحُّ، كَقَضَاءِ دَيْنِهِ
(٤٤٧٥) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: أُحِبُّ أَنْ لَا يُقَسِّمَ مَالَهُ، وَيَدَعَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، لَعَلَّهُ أَنْ يُولَدَ لَهُ، فَإِنْ أَعْطَى وَلَدَهُ مَالَهُ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، فَأَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَرْجِعَ فَيُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ. يَعْنِي يَرْجِعُ فِي الْجَمِيعِ، أَوْ يَرْجِعُ فِي بَعْضِ مَا أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِيَدْفَعُوهُ إلَى هَذَا الْوَلَدِ الْحَادِثِ، لِيُسَاوِيَ إخْوَتَهُ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَلَدُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى إخْوَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ لَزِمَتْ بِمَوْتِ أَبِيهِ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أُعْطِيَ أَنْ يُسَاوِيَ أَخَاهُ فِي عَطِيَّتِهِ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ، بِرَدِّ قِسْمَةِ أَبِيهِ لِيُسَاوُوا الْمَوْلُودَ الْحَادِثَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ.
[فَصْل لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَيَتَمَلَّكَهُ بِشَرْطَيْنِ]
فَصْلٌ: وَلِأَبٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَيَتَمَلَّكَهُ، مَعَ حَاجَةِ الْأَبِ إلَى مَا يَأْخُذُهُ، وَمَعَ عَدَمِهَا، صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبِيرًا، بِشَرْطَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute