وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِمُثْلَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ إلَى الْبِئْرِ حَاجَةٌ، طُمَّتْ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ قَبْرَهُ.
وَإِنْ كَانَ طَمُّهَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، أُخْرِجَ بِالْكَلَالِيبِ، سَوَاءٌ أَفْضَى إلَى الْمُثْلَةِ أَوْ لَمْ يُفْضِ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ حُقُوقٍ كَثِيرَةٍ؛ نَفْعِ الْمَارَّةِ، وَغُسْلِ الْمَيِّتِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الْمُثْلَةُ فِي بَقَائِهِ أَعْظَمَ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَطَّعُ وَيُنْتِنُ. فَإِنْ نَزَلَ عَلَى الْبِئْرِ قَوْمٌ، فَاحْتَاجُوا إلَى الْمَاءِ، وَخَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَلَهُمْ إخْرَاجُهُ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ حَصَلَتْ مُثْلَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ مِنْ تَلَفِ نُفُوسِ الْأَحْيَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْ السُّتْرَةِ إلَّا كَفَنَ الْمَيِّتِ، وَاضْطُرَّ الْحَيُّ إلَيْهِ، قُدِّمَ الْحَيُّ، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ، وَحِفْظَ نَفْسِهِ، أَوْلَى مِنْ حِفْظِ الْمَيِّت عَنْ الْمُثْلَةِ.
لِأَنَّ زَوَالَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ شُقَّ بَطْنُهُ لِحِفْظِ مَالِ الْحَيِّ، وَحِفْظُ النَّفْسِ أَوْلَى مِنْ حِفْظِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إنْ كَانَ شَارِبُ الْمَيِّت طَوِيلًا أُخِذَ وَجُعِلَ مَعَهُ]
(١٦٤٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ شَارِبُهُ طَوِيلًا أُخِذَ، وَجُعِلَ مَعَهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ شَارِبَ الْمَيِّتِ إنْ كَانَ طَوِيلًا اُسْتُحِبَّ قَصُّهُ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَمْ يُسْتَحَبَّ، كَالْخِتَانِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ كَالْقَوْلَيْنِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصْنَعُوا بِمَوْتَاكُمْ كَمَا تَصْنَعُونَ بِعَرَائِسِكُمْ» .
وَالْعَرُوسُ يُحَسَّنُ، وَيُزَالُ عَنْهُ مَا يُسْتَقْبَحُ مِنْ الشَّارِبِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُقَبِّحُ مَنْظَرَهُ، فَشُرِعَتْ إزَالَتُهُ، كَفَتْحِ عَيْنَيْهِ وَفَمِهِ شُرِعَ مَا يُزِيلُهُ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ مَسْنُونٌ فِي الْحَيَاةِ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، فَشُرِعَ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَالِاغْتِسَالِ. وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْخِتَانُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَضَرَّةِ. فَإِذَا أُخِذَ الشَّعْرُ جُعِلَ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَيِّتِ، فَيُسْتَحَبُّ جَعْلُهُ فِي أَكْفَانِهِ كَأَعْضَائِهِ؛ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ الْمَيِّتِ مِنْ شَعْرٍ أَوْ ظُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُجْعَلُ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ كَذَلِكَ. (١٦٤٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْأَظْفَارُ إذَا طَالَتْ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا تُقَلَّمُ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُقَلَّمُ أَظْفَارُهُ، وَيُنَقَّى وَسَخُهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ: وَالْخِلَالُ يُسْتَعْمَلُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ. وَالْخِلَالُ يُزَالُ بِهِ مَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ؛ لِأَنَّ الظُّفْرَ لَا يَظْهَرُ كَظُهُورِ الشَّارِبِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى قَصِّهِ. وَالثَّانِيَةُ، يُقَصُّ إذَا كَانَ فَاحِشًا. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَا مَضَرَّةَ فِيهِ، فَيُشْرَعُ أَخْذُهُ كَالشَّارِبِ. وَيُمْكِنُ أَنْ تُحْمَلَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ فَاحِشَةً.
وَأَمَّا الْعَانَةُ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ؛ لِتَرْكِهِ ذِكْرَهَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَمَالِكٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute