للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة الْمُحْرِمَ إذَا احْتَاجَ إلَى تَقَلُّدِ السَّيْفِ فَلَهُ ذَلِكَ]

(٢٣٣٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا احْتَاجَ إلَى تَقَلُّدِ السَّيْفِ، فَلَهُ ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَأَبَاحَ عَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ تَقَلُّدَهُ. وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: «لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا إلَّا بِجُلْبَانِ السِّلَاحِ» . - الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ - وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إبَاحَةِ حَمْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَأْمَنُونَ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ، وَيَخْفِرُوا الذِّمَّةَ، وَاشْتَرَطُوا حَمْلَ السِّلَاحِ فِي قِرَابِهِ. فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا، إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ.

وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَا يَحْمِلُ الْمُحْرِمُ السِّلَاحَ فِي الْحَرَمِ. وَالْقِيَاسُ إبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمَلْبُوسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ حَمَلَ قِرْبَةً فِي عُنُقِهِ، لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْمُحْرِمِ يُلْقِي جِرَابَهُ فِي رَقَبَتِهِ، كَهَيْئَةِ الْقِرْبَةِ. قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.

[مَسْأَلَة إبَاحَةُ لُبْسِ الْقَبَاءِ لِلْمُحْرِمِ مَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ]

(٢٣٣٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَإِنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ الْقَبَاءَ وَالدُّوَاجَ، فَلَا يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ) ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ إبَاحَةُ لُبْسِ الْقَبَاءِ، مَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: إذَا أَدْخَلَ كَتِفَيْهِ فِي الْقَبَاءِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَخِيطٌ لَبِسَهُ الْمُحْرِمُ عَلَى الْعَادَةِ فِي لُبْسِهِ، فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ إذَا كَانَ عَامِدًا، كَالْقَمِيصِ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْأَقْبِيَةِ» . وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِي مَسْأَلَةِ إنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ السَّرَاوِيلَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ. وَلِأَنَّ الْقَبَاءَ لَا يُحِيطُ بِالْبَدَنِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ بِوَضْعِهِ عَلَى كَتِفَيْهِ، إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ، كَالْقَمِيصِ يَتَّشِحُ بِهِ، وَقِيَاسُهُمْ مَنْقُوضٌ بِالرِّدَاءِ الْمُوَصَّلِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى لُبْسِهِ مَعَ إدْخَالِ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ.

[مَسْأَلَة كَرَاهَة الِاسْتِظْلَالَ فِي الْمَحْمِلِ لِلْمُحْرِمِ خَاصَّةً وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ]

(٢٣٣٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُظَلِّلُ عَلَى رَأْسِهِ فِي الْمَحْمِلِ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) كَرِهَ أَحْمَدُ الِاسْتِظْلَالَ فِي الْمَحْمِلِ خَاصَّةً، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، كَالْهَوْدَجِ وَالْعَمَّارِيَّة وَالْكَبِيسَة وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى الْبَعِيرِ. وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَمَالِكٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: لَا يَسْتَظِلُّ أَلْبَتَّةَ. وَرَخَّصَ فِيهِ رَبِيعَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَطَاءٍ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ الْحُصَيْنِ، قَالَتْ: «حَجَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>