لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِثْلُهُ لَوْ كَانَ خَلًّا، كَمَا تُوجَبُ قِيمَةُ الْحُرِّ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ عَبْدًا، فَإِنَّ الْحُرَّ لَا قِيمَةَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا: يَرْجِعُ بِالْمُسَمَّى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْبُضْعِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ، فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ بِخَمْرٍ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَإِذَا غُرَّ بِهِ، رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ.
وَلَنَا، أَنَّهَا عَيْنٌ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مَعَ سَلَامَتِهَا، وَبَقَاءِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَوَجَبَ بَدَلُهَا مُقَدَّرًا بِقِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا، كَالْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَعَارِ. وَإِذَا خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَخَرَجَ مَغْصُوبًا، أَوْ أُمِّ وَلَدٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُسَلِّمُهُ، يُوَافِقُنَا فِيهِ.
[فَصْلٌ خَالَعَهَا عَلَى مُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِ تَحْرِيمَهُ]
(٥٧٧٩) فَصْلٌ: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِ تَحْرِيمَهُ، كَالْحُرِّ، وَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ سَوَاءٌ، لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِالْبُضْعِ، فَإِذَا كَانَ الْعِوَضُ مُحَرَّمًا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَالنِّكَاحِ. وَلَنَا، أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَا، فَإِذَا رَضِيَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، فَفَعَلَتْهُ، وَفَارَقَ النِّكَاحَ؛ فَإِنَّ دُخُولَ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ فَبَانَ حُرًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ، فَيَرْجِعُ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَهَا هُنَا رَضِيَ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، فَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ خَلَا عَنْ عِوَضٍ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَكِنَايَاتِ الْخُلْعِ، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ النِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَلَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، انْبَنَى عَلَى أَصْلٍ. وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ. صَحَّ هَاهُنَا. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ. لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَقَعْ شَيْئًا. وَإِنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي خَمْرًا أَوْ مَيْتَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَأَعْطَتْهُ ذَلِكَ، طَلُقَتْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، كَقَوْلِهِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
[فَصْل قَالَ إنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ مُدَبَّرًا أَوْ مُعْتَقًا نِصْفُهُ]
(٥٧٨٠) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْت طَالِقٌ. فَأَعْطَتْهُ مُدَبَّرًا أَوْ مُعْتَقًا نِصْفُهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالْقِنِّ فِي التَّمْلِيكِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ حُرًّا، أَوْ مَغْصُوبًا، أَوْ مَرْهُونًا، لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ مَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، وَمَا لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ لَا تَكُونُ مُعْطِيَةً لَهُ. وَإِنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْعَبْدَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَأَعْطَتْهُ إيَّاهُ، فَإِذَا هُوَ حُرٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute