[فَصْلٌ سَرَقَ صَلِيبًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ]
(٧٢٩٩) فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ صَلِيبًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَبْلُغُ نِصَابًا مُتَّصِلًا، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا قَطْعَ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ سَارِقُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَوَجْهُ الْمَذْهَبَيْنِ مَا تَقَدَّمَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا، أَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا لَهُ كَسْرُهُ بِحَيْثُ لَا تَبْقَى لَهُ قِيمَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا، وَهَا هُنَا لَوْ كُسِرَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ بِكُلِّ وَجْهٍ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ؛ وَلِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جَوْهَرُهُمَا غَالِبٌ عَلَى الصَّنْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، فَكَانَتْ الصِّنَاعَةُ فِيهِمَا مَغْمُورَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى قِيمَةِ جَوْهَرِهِمَا، وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِهِمَا، فَتَكُونُ الصِّنَاعَةُ غَالِبَةً عَلَيْهِ، فَيَكُونُ تَابِعًا لِلصِّنَاعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، فَأَشْبَهَ الْإِنَاءَ.
وَلَوْ سَرَقَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، قِيمَتُهُ نِصَابٌ إذَا كَانَ مُتَكَسِّرًا، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَقِيمَتُهُ بِدُونِ الصِّنَاعَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا نِصَابٌ. وَإِنْ سَرَقَ إنَاءً مُعَدًّا لِحَمْلِ الْخَمْرِ، وَوَضْعِهِ فِيهِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْإِنَاءَ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنِيَّتِهِ وَقَصْدِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ سِكِّينًا مُعَدَّةً لِذَبْحِ الْخَنَازِيرِ، أَوْ سَيْفًا يُعِدُّهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ. وَإِنْ سَرَقَ إنَاءً فِيهِ خَمْرٌ يَبْلُغُ نِصَابًا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: وَلَوْ سَرَقَ إدَاوَةً أَوْ إنَاءً فِيهِ مَاءٌ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ كَذَلِكَ. وَلَوْ سَرَقَ مِنْدِيلًا فِي طَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُودٌ، فَعَلِمَ بِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ سَرِقَتَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَعَلَّقَ بِثَوْبِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ قِيمَتَهُ نِصَابٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَلِمَ بِالْمَسْرُوقِ هَاهُنَا، وَقَصَدَ سَرِقَتَهُ، بِخِلَافِ الدِّينَارِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ، وَلَمْ يَقْصِدْ أَخْذَهُ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ بِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ هَلْ يُقْطَعُ الْوَالِدُ فِيمَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ]
(٧٣٠٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُقْطَعُ الْوَالِدُ فِيمَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ أَخْذُهُ، وَلَا الْوَالِدَةُ فِيمَا أَخَذَتْ مِنْ مَالِ وَلَدِهَا، وَلَا الْعَبْدُ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ، وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: الْقَطْعُ عَلَى كُلِّ سَارِقٍ، بِظَاهِرِ الْكِتَابِ، إلَّا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى شَيْءٍ فَيُسْتَثْنَى.
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute