للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِئْذَانِهِمَا؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُمَا أَبَوَانِ مُسْلِمَانِ، فَأَشْبَهَا الْحُرَّيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ إذْنُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا. وَإِنْ كَانَا مَجْنُونَيْنِ فَلَا إذْنَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِئْذَانُهُمَا.

[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِجَابَةُ إذَا خُوطِبَ بِالْجِهَادِ]

(٧٤٣٢) قَالَ وَإِذَا خُوطِبَ بِالْجِهَادِ فَلَا إذْنَ لَهُمَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ الْفَرَائِضِ، لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِهَا. يَعْنِي إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ. لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ وَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ مِثْلُ الْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْجُمَعِ، وَالسَّفَرِ، لِلْعِلْمِ الْوَاجِبِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا طَاعَةَ لِلْوَالِدَيْنِ فِي تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالْجُمَعِ وَالْحَجِّ وَالْقِتَالِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا، كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَلَمْ يَشْتَرِطْ إذْنَ الْوَالِدَيْنِ.

[فَصْلٌ الْخُرُوجُ إلَى الْجِهَادِ بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ]

(٧٤٣٣) وَإِنْ خَرَجَ فِي جِهَادِ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِمَا، فَمَنَعَاهُ مِنْهُ بَعْدَ سَيْرِهِ وَقَبْلَ وُجُوبِهِ، فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ، لِأَنَّهُ مَعْنًى لَوْ وُجِدَ فِي الِابْتِدَاءِ مَنَعَ، فَإِذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهِ مَنَعَ، كَسَائِرِ الْمَوَانِعِ، إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الرُّجُوعِ، أَوْ يَحْدُثَ لَهُ عُذْرٌ، مِنْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ فِي الطَّرِيقِ، وَإِلَّا مَضَى مَعَ الْجَيْشِ، فَإِذَا حَضَرَ الصَّفَّ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِحُضُورِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا إذْنٌ. وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ الْإِذْنِ بَعْدَ تَعَيُّنِ الْجِهَادِ عَلَيْهِ، لَمْ يُؤَثِّرْ رُجُوعُهُمَا شَيْئًا.

وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ، فَأَسْلَمَا وَمَنَعَاهُ، كَانَ ذَلِكَ كَمَنْعِهِمَا بَعْدَ إذْنِهِمَا، سَوَاءٌ. وَحُكْمُ الْغَرِيمِ يَأْذَنُ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْهُ، حُكْمُ الْوَالِدِ، عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ. فَأَمَّا إنْ حَدَثَ لِلْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عَمًى أَوْ عَرَجٍ، فَلَهُ الِانْصِرَافُ، سَوَاءٌ الْتَقَى الزَّحْفَانِ، أَوْ لَمْ يَلْتَقِيَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِتَالُ، وَلَا فَائِدَةَ فِي مُقَامِهِ.

[فَصْلٌ أَذِنَ لَهُ وَالِدَاهُ فِي الْغَزْوِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ لَا يُقَاتِلُ]

(٧٤٣٤) وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَالِدَاهُ فِي الْغَزْوِ، وَشَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ، فَحَضَرَ الْقِتَالَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ شَرْطُهُمَا. كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا فِي تَرْكِهِ طَاعَةٌ. وَلَوْ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، فَحَضَرَ الْقِتَالَ ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ مِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ هَلْ يَجُوز لَهُ الْخُرُوج للغزو]

(٧٤٣٥) فَصْلٌ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْغَزْوِ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، إلَّا أَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً، أَوْ يُقِيمَ بِهِ كَفِيلًا، أَوْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِي الْغَزْوِ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَا حَبْسُهُ مِنْ أَجْلِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْغَزْوِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دِينٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>