[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَحْظُورَات إحْرَام الصَّبِيّ]
(٢٢٦٠) الْفَصْلُ الثَّالِثُ، فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: وَهِيَ قِسْمَانِ؛ مَا يَخْتَلِفُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ، وَمَا لَا يَخْتَلِفُ، كَالصَّيْدِ، وَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ. فَالْأَوَّلُ، لَا فِدْيَةَ عَلَى الصَّبِيِّ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ. وَالثَّانِي، عَلَيْهِ فِيهِ الْفِدْيَةُ.
وَإِنْ وَطِئَ أَفْسَدَ حَجَّهُ، وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِ. وَفِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا، لَا يَجِبُ؛ لِئَلَّا تَجِبَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ. وَالثَّانِي، يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ مُوجِبٌ لِلْفِدْيَةِ، فَأَوْجَبَ الْقَضَاءَ، كَوَطْءِ الْبَالِغِ، فَإِنْ قَضَى بَعْدَ الْبُلُوغِ بَدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ قَبْلَهَا، انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَهَلْ تُجْزِئُهُ عَنْ الْقَضَاءِ؟ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ الْفَاسِدَةُ قَدْ أَدْرَكَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْوُقُوفِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، أَجْزَأَ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا قُلْنَا فِي الْعَبْدِ عَلَى مَا مَضَى.
[الْفَصْلُ الرَّابِع فِي مَا يَلْزَم الصَّبِيّ مِنْ الْفِدْيَة فِي الْحَجّ]
(٢٢٦١) الْفَصْلُ الرَّابِعُ، فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْفِدْيَةِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ جِنَايَاتِ الصِّبْيَانِ لَازِمَةٌ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي الْفِدْيَةِ الَّتِي تَجِبُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِجِنَايَتِهِ، أَشْبَهَتْ الْجِنَايَةَ عَلَى الْآدَمِيِّ. وَالثَّانِي عَلَى الْوَلِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِعَقْدِهِ أَوْ إذْنِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ، كَنَفَقَةِ حَجِّهِ. فَأَمَّا النَّفَقَةُ، فَقَالَ الْقَاضِي: مَا زَادَ عَلَى نَفَقَة الْحَضَرِ، فَفِي مَالِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَلَّفَهُ ذَلِكَ، وَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخِلَافِ أَنَّ النَّفَقَةَ كُلَّهَا عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَهُ، فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، كَالْبَالِغِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ، وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ، فَصَارَ كَأَجْرِ الْمُعَلِّمِ وَالطَّبِيبِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ فَإِنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ، فَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ بَذْلَ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ لِلتَّمَرُّنِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل إذَا أُغْمِيَ عَلَى بَالِغِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُحْرِم عَنْهُ رَقِيقه]
(٢٢٦٢) فَصْلٌ: إذَا أُغْمِيَ عَلَى بَالِغٍ، لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ رَقِيقُهُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ، وَيَصِيرُ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِ رَفِيقِهِ عَنْهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ، قَصْدِهِ، وَيَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِي تَرْكِهِ، فَأَجْزَأَ عَنْهُ إحْرَامُ غَيْرِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ بَالِغٌ، فَلَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِ غَيْرِهِ، كَالنَّائِمِ، وَلَوْ أَنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ وَأَجَازَهُ، لَمْ يَصِحَّ، فَمَعَ عَدَمِ هَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ.
[مَسْأَلَة مِنْ طَيْف بِهِ مَحْمُولًا كَانَ الطَّوَاف لَهُ دُون حَامِله]
(٢٢٦٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا، كَانَ الطَّوَافُ لَهُ دُونَ حَامِلِهِ) أَمَّا إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ، فَلَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يَقْصِدَا جَمِيعًا عَنْ الْمَحْمُولِ، فَيَصِحَّ عَنْهُ دُونَ الْحَامِلِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، أَوْ يَقْصِدَا جَمِيعًا عَنْ الْحَامِلِ فَيَقَعَ عَنْهُ أَيْضًا، وَلَا شَيْءَ لِلْمَحْمُولِ، أَوْ يَقْصِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْمَحْمُولِ دُونَ الْحَامِلِ.
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ