الطَّلَاقِ، وَسَبَبُ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعُمُومِ بِالتَّخْصِيصِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَطْلُقَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ، وَالْعَامُّ يَحْتَمِل التَّخْصِيصَ.
[فَصْل قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنَّ دَخَلْت الدَّارَ]
(٥٩٠٥) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ. ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ، لَكِنْ سَبَقَ لِسَانِي إلَى الشَّرْطِ. طَلَقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: قَدْ طَلَّقْتُهَا. فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: كَذَبْتُ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ طَلَاقَهَا عِنْدَ الشَّرْطِ. دُيِّنَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ.
[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً]
(٥٩٠٦) فَصْلٌ: وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: وَاسْتَثْنَى شَيْئًا بِقَلْبِهِ. يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى بِلِسَانِهِ صَحَّ، وَلَمْ يَقَعْ مَا اسْتَثْنَاهُ.
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً. أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ. مِنْهُمْ؛ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَدِ الطَّلْقَاتِ، وَيَجُوزُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً. وَقَعَ الثَّلَاثُ. وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ. لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ إيقَاعِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْفَعُهُ لَوْ صَحَّ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بَاطِلٌ بِمَا سَلَّمَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمُطَلَّقَات، وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ رَفْعًا لِمَا وَقَعَ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَمَا صَحَّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ، وَلَا الْإِعْتَاقِ، وَلَا فِي الْإِقْرَارِ، وَلَا الْإِخْبَارِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُرَادٍ بِالْكَلَامِ، فَهُوَ يَمْنَعُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ، فَقَوْلُهُ: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] . عِبَارَةٌ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: ٢٦] {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: ٢٧] . تَبَرُّؤٌ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً. عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَتَيْنِ لَا غَيْرُ، وَحَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ إلَّا، وَيُشَبَّهُ بِهِ أَسْمَاءٌ وَأَفْعَالٌ وَحُرُوفٌ؛ فَالْأَسْمَاءُ غَيْرُ وَسِوَى، وَالْأَفْعَالُ لَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَعَدَا، وَالْحُرُوفُ حَاشَا وَخَلَا، فَبِأَيِّ كَلِمَةٍ اسْتَثْنَى بِهَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ]
(٥٩٠٧) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ. وَقَعَ ثَلَاثٌ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِقْرَارِ. وَذَكَرْنَا أَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ إنَّمَا أَجَازُوهُ فِي الْقَلِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute