وَلَنَا، أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِعَدِّهِ الْعَدَدَ الْوَاجِبَ، فَأَجْزَأَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي جَمِيعِ الْعَدَدِ، فَقَامَ مَقَامَهُ فِي بَعْضِهِ، كَالْكَفَّارَتَيْنِ، وَكَالتَّيَمُّمِ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ فِي الْجَنَابَةِ، جَازَ فِي بَعْضِهِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ، فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ صَحِيحًا وَبَعْضُهُ جَرِيحًا، وَفِيمَا إذَا وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ مُتَقَارِبٌ؛ إذْ الْقَصْدُ مِنْهُمَا سَدُّ الْخَلَّةِ، وَدَفْعُ الْحَاجَةِ، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَدِ، وَاعْتِبَارُ الْمَسْكَنَةِ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَتَنَوُّعُهُمَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمَا فِي الْإِطْعَامِ سَدًّا لِجَوْعِهِ.
وَفِي الْكِسْوَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْكَفَّارَة الْمُلَفَّقَةِ مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْفَقِيرَيْنِ مُحْتَاجًا إلَى سَتْرِ عَوْرَتِهِ، وَالْآخَرُ إلَى الِاسْتِدْفَاءِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ الَّذِينَ أَطْعَمَهُمْ بِالْإِطْعَامِ، وَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الَّذِينَ كَسَاهُمْ بِالْكِسْوَةِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْإِنْفَاقِ أَكْثَرُ مِنْ إطْعَامِ مَنْ بَقِيَ، وَلَا كِسْوَةُ أَكْثَرَ مِمَّنْ بَقِيَ، وَإِذَا خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ النَّوْعُ.
وَأَمَّا الْآيَةُ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ بِمَعْنَاهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي كُلِّ فَقِيرٍ بَيْنَ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَكْسُوَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَصِيرُ كَمَا يُخَيَّرُ فِي الصَّيْدِ الْحَرَمِيِّ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالنَّظِيرِ، أَوْ يُقَوِّمَ النَّظِيرِ بِدَرَاهِمَ، فَيَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، فَلَوْ صَامَ عَنْ بَعْضِ الْأَمْدَادِ، وَأَطْعَمَ بَعْضًا، أَجْزَأَ كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ، لِمَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إخْرَاجِ أَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، لَوْ أَعْطَى الْبَعْضَ ذَهَبًا، وَالْبَعْضَ دَرَاهِمَ، جَازَ. وَفَارَقَ مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ. وَأَطْعَمَ خَمْسَةً أَوْ كَسَاهُمْ؛ لِأَنَّ تَنْصِيفَ الْعِتْقِ يُخِلُّ بِالْآخَرِ؛ لِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا.
[فَصْلٌ أُطْعِم الْمِسْكِينُ بَعْض الطَّعَام وَكَسَاهُ بَعْض الْكِسْوَة فِي كَفَّارَة الْيَمِين]
(٨٠٦٢) فَصْلٌ: وَإِنْ أَطْعَمَ الْمِسْكِينَ بَعْضَ الطَّعَامِ، وَكَسَاهُ بَعْضَ الْكِسْوَةِ، لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَطْعَمَهُ الطَّعَامَ الْوَاجِبَ لَهُ، وَلَا كَسَاهُ الْكِسْوَةَ الْوَاجِبَةَ، فَصَارَ كَمَنْ لَمْ يُطْعِمْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَكْسُهُ، وَإِنْ أَطْعَمَ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ بُرًّا، وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا، أَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، أَجْزَأَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ. وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] . وَقَدْ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَسَا بَعْضَ الْمَسَاكِينِ قُطْنًا، وَبَعْضَهُمْ كَتَّانًا، جَازَ، مَعَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ، كَذَلِكَ الْإِطْعَامُ.
[مَسْأَلَة أَعْتَقَ نِصْفِيّ عَبْدَيْنِ أَوْ نِصْفِيّ أُمَّتَيْنِ أَوْ نِصْفِيّ عَبْدٍ وَأَمَة فِي كَفَّارَة الْيَمِين]
(٨٠٦٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ، أَوْ نِصْفَيْ أَمَتَيْنِ، أَوْ نِصْفَيْ عَبْدٍ وَأَمَةٍ، أَجْزَأَ عَنْهُ) قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. يَعْنِي أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ: لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، وَلَا يَحْصُلُ مِنْ إعْتَاقِ نِصْفَيْنِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute