[فَصْل حُكْم الشَّهَادَة لِلْمُتَسَابِقِ فِي الْمُسَابَقَةُ الْمَشْرُوعَةُ بِالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا]
(٨٣٦٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ الْمَشْرُوعَةُ، بِالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، أَوْ عَلَى الْأَقْدَامِ، فَمُبَاحَةٌ لَا دَنَاءَةَ فِيهَا، وَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَشْرُوعِيَّةَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ. وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الثِّقَافِ، وَاللَّعِبِ بِالْحِرَابِ. وَقَدْ لَعِبَ الْحَبَشَةُ بِالْحِرَابِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَامَتْ عَائِشَةُ خَلْفَهُ تَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَتَسْتَتِرُ بِهِ، حَتَّى مَلَّتْ. وَلِأَنَّ فِي هَذَا تَعَلُّمًا لِلْحَرْبِ، فَإِنَّهُ مِنْ آلَاتِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُسَابَقَةَ بِالْخَيْلِ وَالْمُنَاضَلَةَ، وَسَائِرَ اللَّعِبِ، إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا، وَلَا شَغْلًا عَنْ فَرْضٍ، فَالْأَصْلُ إبَاحَتُهُ، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِيهِ دَنَاءَةٌ يَتَرَفَّعُ عَنْهُ ذَوُو الْمُرُوءَاتِ، مَنَعَ الشَّهَادَةَ إذَا فَعَلَهُ ظَاهِرًا، وَتُكَرِّرَ مِنْهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ لَا دَنَاءَةَ فِيهِ، لَمْ تُرَدَّ بِهَا الشَّهَادَةُ بِحَالٍ.
[فَصْل شَهَادَة الْمُسْتَمِع إلَى الْمَلَاهِي]
(٨٣٦٥) فَصْلٌ: فِي الْمَلَاهِي: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ مُحَرَّمٌ، وَهُوَ ضَرْبُ الْأَوْتَارِ وَالنَّايَاتُ، وَالْمَزَامِيرُ كُلُّهَا، وَالْعُودُ، وَالطُّنْبُورُ، وَالْمِعْزَفَةُ، وَالرَّبَابُ، وَنَحْوُهَا، فَمَنْ أَدَامَ اسْتِمَاعَهَا، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا ظَهَرَتْ فِي أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً، حَلَّ بِهِمْ الْبَلَاءُ» . فَذَكَرَ مِنْهَا إظْهَارَ الْمَعَازِفِ وَالْمَلَاهِي. وَقَالَ سَعِيدٌ: ثنا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْقِ الْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ، لَا يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَلَا تَعْلِيمُهُنَّ وَلَا التِّجَارَةُ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ» . يَعْنِي الضَّارِبَاتِ.
وَرَوَى نَافِعٌ، قَالَ: «سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا، قَالَ: فَوَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَنَأَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَقَالَ لِي: يَا نَافِعُ، هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا؟ قَالَ: فَقُلْت: لَا. قَالَ: فَرَفَعَ إصْبَعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute