الْحَدُّ عَلَيْهِمْ بِسُقُوطِهِ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَّ إذَا وَجَبَ عَلَى الرَّاجِعِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ فِي رُجُوعِهِ، وَإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ، وَإِحْيَائِهِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ إشْرَافِهِ عَلَى التَّلَفِ، فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى.
[فَصْلٌ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ]
(٧١٨٨) فَصْلٌ: وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ، أَوْ شَهِدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فِي بَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ صَاحِبَاهُمَا، أَوْ اخْتَلَفُوا فِي الْيَوْمِ فَالْجَمِيعُ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَلُوا أَرْبَعَةً.
وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ أَرْبَعَةٌ عَلَى زِنًا وَاحِدٍ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِالشَّهَادَةِ اثْنَانِ وَحْدَهُمَا، فَأَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَحَكَى قَوْلًا لِأَحْمَدَ. وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ زِنَا وَاحِدٍ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، فَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ؛ وَلِأَنَّ جَمِيعَ مَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْبَيِّنَةُ، يُعْتَبَرُ كَمَالُهَا فِي حَقِّ وَاحِدٍ، فَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ لَهُ، وَيَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّهُ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بَيْضَاءَ، وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِسَوْدَاءَ، فَهُمْ قَذَفَةٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْهُ، وَهَذَا يَنْقُضُ قَوْلَهُ.
[فَصْلٌ اخْتِلَافُ شُهُودُ الزِّنَا فِي الْمَكَانِ]
(٧١٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ، وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةٍ مِنْهُ أُخْرَى، وَكَانَتْ الزَّاوِيَتَانِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ، فَالْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي الْبَيْتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتَا مُتَقَارِبَتَيْنِ، كَمَلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَحُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تَكْمُلْ؛ وَلِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَانِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْتَيْنِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ، سَوَاءٌ تَقَارَبَتْ الزَّاوِيَتَانِ أَوْ تَبَاعَدَتَا.
وَلَنَا أَنَّهُمَا إذَا تَقَارَبَتَا أَمْكَنَ صِدْقُ الشُّهُودِ، بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي إحْدَاهُمَا، وَتَمَامُهُ فِي الْأُخْرَى، أَوْ يَنْسُبُهُ كُلُّ اثْنَيْنِ إلَى إحْدَى الزَّاوِيَتَيْنِ لِقُرْبِهِ مِنْهَا، فَيَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ، كَمَا لَوْ اتَّفَقُوا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا مُتَبَاعِدَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ فِعْلًا وَاحِدًا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ فِعْلَيْنِ، فَلِمَ أَوْجَدْتُمْ الْحَدَّ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِشُبْهَةٍ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ هَذَا يُحْتَمَلُ فِيهِ وَالْحَدُّ وَاجِبٌ. وَالْقَوْلُ فِي الزَّمَانِ كَالْقَوْلِ فِي هَذَا، وَإِنَّهُ مَتَى كَانَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ مُتَبَاعِدٌ، لَا يُمْكِنُ وُجُودُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ فِي جَمِيعِهِ، كَطَرَفَيْ النَّهَارِ، لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ، وَمَتَى تَقَارَبَا كَمَلَتْ شَهَادَتُهُمْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الشُّهُودِ فِي لَوْنِ ثِيَابِ الزَّانِي]
(٧١٩٠) فَصْلٌ: وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ، وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَحْمَرَ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ