وَيُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْخُطْبَةِ؛ لِمَا رَوَى عَمَّارٌ، قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» . وَقَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ: «كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» ، رَوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا مُسْلِمٌ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إنَّمَا هِيَ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى قَوْسٍ، أَوْ سَيْفٍ، أَوْ عَصًا؛ لِمَا رَوَى الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ قَالَ: «وَفَدْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَمْنَا أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ طَيِّبَاتٍ خَفِيفَاتٍ مُبَارَكَاتٍ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَعْوَنُ لَهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَكِّنَ أَطْرَافَهُ، إمَّا أَنْ يَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، أَوْ يُرْسِلَهُمَا سَاكِنَتَيْنِ مَعَ جَنْبَيْهِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ قَبْلَ الْمَوْعِظَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ كُلَّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ، ثُمَّ يُثْنِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَعِظُ.
فَإِنْ عَكَسَ ذَلِكَ صَحَّ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي خُطْبَتِهِ مُتَرَسِّلًا، مُبِينًا، مُعْرِبًا، لَا يُعَجِّلْ فِيهَا، وَلَا يَمْطُطْهَا، وَأَنْ يَكُونَ مُتَخَشِّعًا، مُتَّعِظًا بِمَا يَعِظُ النَّاسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «عُرِضَ عَلَيَّ قَوْمٌ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقِيلَ لِي: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ.»
[فَصْلٌ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْحَجِّ عَلَى الْمِنْبَرِ]
(١٣٠٥) فَصْلٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَجِّ عَلَى الْمِنْبَرِ، أَيُجْزِئُهُ؟ قَالَ: لَا. لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَخْطُبُونَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ: لَا تَكُونُ الْخُطْبَةُ إلَّا كَمَا خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خُطْبَةً تَامَّةً، وَلِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى خُطْبَةً، وَلَا يَجْمَعُ شُرُوطَهَا. وَإِنْ قَرَأَ آيَاتٍ فِيهَا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَوْعِظَةُ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّ؛ لِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ.
[فَصْلٌ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ]
(١٣٠٦) فَصْلٌ: وَإِنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ شَاءَ نَزَلَ فَسَجَدَ، وَإِنْ أَمْكَنَ السُّجُودُ عَلَى الْمِنْبَرِ، سَجَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute