كَأَنَّ مَوَاضِعَ الرَّبَلَاتِ مِنْهَا ... فِئَامٌ يَنْهَضُونَ إلَى فِئَامِ
فَقَامَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ، فَأَهْدَرَ دَمَهُ، وَلَمْ يُطَالِبْ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِ الْوَلِيِّ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَادَّعَى عِلْمَ الْوَلِيِّ بِذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ.
[فَصْلٌ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ مَنْزِلِي]
(٧٣٨٧) وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ مَنْزِلِي، فَلَمْ يُمْكِنِّي دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ يُعْرَفُ بِسَرِقَةٍ، أَوْ عِيَارَةٍ، أَوْ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلًا إلَى هَذَا بِالسِّلَاحِ الْمَشْهُورِ، فَضَرَبَهُ هَذَا، فَقَدْ هَدَرَ دَمَهُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلًا دَارِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلَاحًا، أَوْ ذَكَرُوا سِلَاحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ، لَمْ يَسْقُطْ الْقَوَدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ، وَمُجَرَّدُ الدُّخُولِ الْمَشْهُودِ بِهِ لَا يُوجِبُ إهْدَارَ دَمِهِ.
وَإِنْ تَجَارَحَ رَجُلَانِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنِّي جَرَحْته دَفْعًا عَنْ نَفْسِي. حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا جَرَحَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الْآخَرِ مَا يُنْكِرُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
[فَصْلٌ وَلَوْ عَضَّ رَجُلٌ يَدَ آخَرَ]
(٧٣٨٨) وَلَوْ عَضَّ رَجُلٌ يَدَ آخَرَ، فَلَهُ جَذْبُهَا مِنْ فِيهِ، فَإِنْ جَذَبَهَا فَوَقَعَتْ ثَنَايَا الْعَاضِّ، فَلَا ضَمَانَ فِيهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَرَوَى سَعِيدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ رَجُلًا، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَ بَعْضُ أَسْنَانِ الْعَاضِّ، فَاخْتَصَمَا إلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: انْزِعْ يَدَك مِنْ فِي السَّبُعِ، وَأَبْطِلْ أَسْنَانَهُ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» . وَلَنَا، مَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ: كَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إنْسَانًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الْآخَرِ، قَالَ: فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ فَانْتَزَعَ إحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَحَسِبْت أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيك تَقْضِمُهَا قَضْمَ الْفَحْلِ،.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَطْعِ عُضْوِهِ. وَحَدِيثُهُمْ يَدُلُّ عَلَى دِيَةِ السِّنِّ إذَا قُلِعَتْ ظُلْمًا، وَهَذِهِ لَمْ تُقْلَعْ ظُلْمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعْضُوضُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا؛ لِأَنَّ الْعَضَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute