للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُشْتَرِي عَلِمَ بِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَأَخْذِ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ.

وَإِنْ بَانَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ أَوْ بَانَ بَاطِنُهَا خَيْرًا مِنْ ظَاهِرِهَا، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ لَهُ. وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ، فَلَهُ الْفَسْخُ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَوَزَنَهَا بِصَنْجَةٍ ثُمَّ وَجَدَ الصَّنْجَةَ زَائِدَةً، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ بِمِكْيَالٍ، ثُمَّ وَجَدَهُ زَائِدًا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بَاعَ مَا يَعْلَمُ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ بِالِاحْتِمَالِ.

[مَسْأَلَةٌ مَنْ عَرَفَ مَبْلَغ شَيْء لَمْ يَبِعْهُ صَبِرَة]

(٢٩٧٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ عَرَفَ مَبْلَغَ شَيْءٍ، لَمْ يَبِعْهُ صُبْرَةً) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا، فِي مَوَاضِعَ. وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ. قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، فَإِنَّ بَكْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ جُزَافًا، وَقَدْ عَرَفَ كَيْلَهُ، وَقُلْت لَهُ: إنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إذَا بَاعَ الطَّعَامَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ رَدَّهُ. قَالَ: هَذَا تَغْلِيظٌ شَدِيدٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْجِبُنِي إذَا عَرَفَ كَيْلَهُ، إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ، فَإِنْ بَاعَهُ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ.

وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، بِذَلِكَ بَأْسًا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْبَيْعُ مَعَ جَهْلِهِمَا بِمِقْدَارِهِ، فَمَعَ الْعِلْمِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، مَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَرَفَ مَبْلَغَ شَيْءٍ فَلَا يَبِعْهُ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَهُ» . قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ مُجَازَفَةً، وَهُوَ يَعْلَمُ كَيْلَهُ.» وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ مَالِكٌ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَعْدِلُ إلَى الْبَيْعِ جُزَافًا مَعَ عِلْمِهِ بِقَدْرِ الْكَيْلِ، إلَّا لِلتَّغْرِيرِ بِالْمُشْتَرِي وَالْغِشِّ لَهُ، وَلِذَلِكَ أَثَرٌ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . فَصَارَ كَمَا لَوْ دَلَّسَ الْعَيْبَ.

فَإِنْ بَاعَ مَا عَلِمَ كَيْلَهُ صُبْرَةً، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لَازِمٌ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ لَهُمَا، وَلَا تَغْرِيرَ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَا كَيْلَهُ أَوْ جَهِلَاهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ أَحْمَدُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ. وَلِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ أَبْعَدُ مِنْ التَّغْرِيرِ.

وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ إنْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً يَعْلَمُ تَصْرِيَتَهَا. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ، وَالْإِمْضَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ، وَغَدْرٌ مِنْ الْبَائِعِ، فَصَحَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>