الصُّبْرَةِ، أَوْ ثُلُثَهَا، أَوْ جُزْءًا مِنْهَا مَعْلُومًا. جَازَ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُ جُمْلَتِهِ، جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ، كَالْحَيَوَانِ. وَلِأَنَّ جُمْلَتَهَا مَعْلُومَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَكَذَلِكَ جُزْؤُهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الصُّبْرَةُ مُتَسَاوِيَةَ الْأَجْزَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، مِثْلَ صُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ، لَمْ يَصِحَّ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْهَا جُزْءًا مُشَاعًا، فَيَسْتَحِقُّ مِنْ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا بِقِسْطِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمُثَمَّنَاتِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا جُزَافًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ فِي الْأَثْمَانِ لِأَنَّ لَهَا خَطَرًا وَلَا يَشُقُّ وَزْنُهَا وَلَا عَدَدُهَا، فَأَشْبَهَ الرَّقِيقَ وَالثِّيَابَ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَأَشْبَهَ الْمُثَمَّنَاتِ وَالنُّقْرَةَ وَالْحَلْيَ. وَيَبْطُلُ بِذَلِكَ مَا قَالَهُ. أَمَّا الرَّقِيقُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ إذَا شَاهَدَهُمْ وَلَمْ يَعُدَّهُمْ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ إذَا نَشَرَهَا وَرَأَى جَمِيعَ أَجْزَائِهَا. الْحَكَمُ الثَّانِي، أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الصُّبْرَةَ جُزَافًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا حَتَّى يَنْقُلَهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ نَقْلِهَا. اخْتَارَهَا الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَقِّ تَوْفِيَةٍ، فَأَشْبَهَ الثَّوْبَ الْحَاضِرَ.
وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: «إنْ كُنَّا لَنَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ.» وَعُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، قَالَ: «قَدِمَ زَيْتٌ مِنْ الشَّامِ، فَاشْتَرَيْت مِنْهُ أَبْعِرَةً، وَفَرَغْت مِنْ شِرَائِهَا، فَقَامَ إلَيَّ رَجُلٌ فَأَرْبَحَنِي فِيهَا رِبْحًا، فَبَسَطْت يَدِي لِأُبَايِعَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ يَأْخُذُنِي مِنْ خَلْفِي، فَنَظَرْت فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَتَّى تَنْقُلَهُ إلَى رَحْلِك، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِذَلِكَ» .
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنَّ قَبْضَهَا نَقْلُهَا. كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ لَوْ لَمْ يُعَيَّنْ فِي الشَّرْعِ لَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْعُرْفِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْإِحْيَاءِ وَالْإِحْرَازِ، وَالْعَادَةُ فِي قَبْضِ الصُّبْرَةِ النَّقْلُ (٢٩٦٩) فَصْلٌ: وَلَا يَحِلُّ لِبَائِعِ الصُّبْرَةِ أَنْ يَغُشَّهَا؛ بِأَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى دِكَّةٍ، أَوْ رَبْوَةٍ، أَوْ حَجَرٍ يُنْقِصُهَا، أَوْ يَجْعَلَ الرَّدِيءَ فِي بَاطِنِهَا أَوْ الْمَبْلُولَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا. فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ، مَا هَذَا؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ ثُمَّ قَالَ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute