للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّامِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. فَهَذِهِ جُمْلَةُ شُرُوطِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِذَا صُولِحُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ نَقَضَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنْهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ عَهْدَهُ يَنْتَقِضُ بِهِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَيْنَاهُ؛ لِقَوْلِهِمْ فِي الْكِتَابِ: إنْ نَحْنُ خَالَفْنَا، فَقَدْ حَلَّ لَك مَنَّا مَا يَحِلُّ لَك مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ. وَقَالَ عُمَرُ: وَمَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا عَمْدًا فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ.

وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ بِشَرْطٍ فَمَتَى لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، زَالَ حُكْمُ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْتِزَامِ الْأَحْكَامِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، أَنَّ الشُّرُوطَ قِسْمَانِ؛ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِمُخَالَفَتِهِ، وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا؛ الِامْتِنَاعُ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، وَجَرْيِ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ إذَا حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ، وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالزِّنَى بِمُسْلِمَةٍ وَإِصَابَتُهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ، وَفَتْنُ مُسْلِمٍ عَنْ دِينِهِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ، وَقَتْلُهُ، وَإِيوَاءُ جَاسُوسِ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِدَلَالَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ أَوْ مُكَاتَبَتِهِمْ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كِتَابِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ رَسُولِهِ بِسُوءِ، فَالْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِهِمَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَفِي مَعْنَاهُمَا قِتَالُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِذَا فَعَلُوهُ نَقَضُوا الْأَمَانَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَاتَلُونَا، لَزِمَنَا قِتَالُهُمْ، وَذَلِكَ ضِدُّ الْأَمَانِ، وَسَائِرُ الْخِصَالِ فِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّ الْعَهْدَ يُنْتَقَضُ بِهَا، سَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا. إلَّا أَنَّ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ، لَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِتَرْكِهِ، مَا خَلَا الْخِصَالَ الثَّلَاثَ الْأُولَى، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ شَرْطُهَا، وَيَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِتَرْكِهَا بِكُلِّ حَالٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ إلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِمَامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. وَلَنَا، مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ، مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ قَدْ أَرَادَ اسْتِكْرَاهَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا، فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ. وَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ. فَإِنَّهُ إنْ فَعَلَ مَا فِيهِ حَدٌّ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ أَوْ قِصَاصُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ حَدًّا، عُزِّرَ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يَنْكَفُ بِهِ أَمْثَالُهُ عَنْ فِعْلِهِ.

فَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِعْلَ ذَلِكَ كُفَّ عَنْهُ، فَإِنْ مَانَعَ بِالْقِتَالِ نُقِضَ عَهْدُهُ. وَمَنْ حَكَمْنَا بِنَقْضِ عَهْدِهِ مِنْهُمْ، خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ؛ الْقَتْلُ، وَالِاسْتِرْقَاقُ، وَالْفِدَاءُ، وَالْمَنُّ، كَالْأَسِيرِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ قَدَرْنَا عَلَيْهِ فِي دَارِنَا بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، وَلَا شُبْهَةِ ذَلِكَ، فَأَشْبَهَ اللِّصَّ الْحَرْبِيَّ. وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِهِ دُونَ ذُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ دُونَهُمْ، فَاخْتَصَّ بِهِ، كَمَا لَوْ أَتَى مَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا.

[فَصْلٌ أَمْصَارُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

(٧٦٨٧) فَصْلٌ: أَمْصَارُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، مَا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ، كَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطَ، فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>